الأحد، 20 مارس 2016

الطبقة العاملة: مخاض عسير و مستقبل زاهر لتحرر البشرية التيتي الحبيب

Eltiti-lahbib

التيتي الحبيب

في الجزء 24 من الكتاب الاول من راس المال يتناول ماركس التراكم البدائي لراس المال، وفي الفقرة الثالثة يتناول التشريعات العنيفة والقوية الموجهة ضد الذين انتزعت منهم ملكيتهم- الارض- في نهاية القرن 15.(يجد القارئ هذا الجزء من الكتاب مترجم الى الفرنسية رفقة هذا التعليق البسيط).

القراءة في كتاب “راس المال” دائما ممتعة ومفيدة بله، انها تمدك بدفعة قوية لا من حيث طريقة البحث و لا من حيث استنتاج الخلاصات. كما انها توجه نظرك الى بعض المناحي التي تحتاج المزيد من البحث والتدقيق. فهو دلك النوع من المؤلفات “المفتوحة” لأنها تفتح لك الافاق وتخاطب العقل وتوقظ الفضول وحب الاطلاع لانه يمكنك من الاطلاع على تطبيق المنهج الجدلي ويبسط امامك التحليل الملموس للواقائع ويستنتج الخلاصات، وهو نقيض تلك المؤلفات “المغلقة” التي تخرج منها كما دخلتها خاوي الوفاض.
ما شد انتباهي في هذا الجزء، هو كيف نشأت الطبقة العاملة، كيف خرجت من احشاء المجتمع الاقطاعي. لقد تحول الجزء الاعظم من ذلك المجتمع حيث كان يمتلك كل فرد منه قطعة صغيرة من الأرض، يستغلها هو وعائلاته من اجل توفير اسباب العيش والحياة في ظل نظام الاستغلال الملاكين الاقطاعيين.
كان ميلاد المجتمع الجديد، المجتمع الرأسمالي، المبني على العلاقات الجديدة ميلادا عنيفا استعملت فيه كل اساليب القمع والبطش من اجل نزع الملكية الصغيرة وتجريد الملاكين الصغار من ملكيتهم البسيطة تلك، وتحويلهم الى اشخاص لا يملكون اي شيئ. ولكي يستمروا في العيش اصبح من المفروض عليهم بيع اخر ما يملكون وهي قوة عملهم. لقد سيقت الملايين من البشر الى هذا الوضع ولم يترك لهم اي خيار ثان. وفي هذا الاطار يقدم ماركس احصائيات مهولة عن عدد الاشخاص الذين نفدت فيهم عقوبات شديدة بما فيها حكم الاعدام لأنهم رفضوا الامتثال الى القوانين التي صاغتها البرجوازية الطبقة الاجتماعية الصاعدة والمستحوذة على الثروة وعلى السلطة.
لا يمكن فهم طبيعة المجتمع الرأسمالي إلا على هذه القاعدة التاريخية. لم يكن من الممكن ان يقوم المجتمع الرأسمالي إلا على قاعدة استعباد جيش هائل من الملاكين الصغار والاقنان ورميهم بالقوة خارج مساكنهم الاصلية ودفعهم الى الهجرة الى المدن او الى خارج البلد، وتحويلهم الى عمال يعيشون من كدحهم في خدمة الرأسمال.فكل الترسانة القانونية والفكرية والسياسية لهذا المجتمع الجديد وضعت لخدمة واقعة استعباد الطبقة العاملة وتأبيد سلطة راس المال.
لا يجب ان يغيب عن بالنا هذا الامر ولو للحظة. لقد عملت البرجوازية على تلطيف صورتها وعلى التمويه على ديكتاتوريتها وهو ما تسميه اليوم المجتمع الديمقراطي والذي سماه مفكروها المفلسون نهاية التاريخ. لقد اصبحت معهم الديمقراطية البرجوازية هي اكمل وجه لممارسة السياسة والسلطة، ولا يمكن تصور نموذج خارج هذا التصور. انها اصبحت القدر المحتوم لتطور البشرية.
لكن استطاع ماركس ان يضع اسس علم يفضح هذه الكذبة التاريخية، وليبرهن ان هناك حتمية اخرى وهي ميلاد مجتمع جديد مجتمع تتحول فيه ملكية وسائل الانتاج الى المنتجين والسلطة للبروليتاريا. وقد بدأت المسيرة التاريخية تحقق هذا المنحى مع اول دولة للبروليتاريا وهي كمونة باريز التي لم تعمر طويلا ثم مع ثورة البلاشفة في روسيا القيصرية التي شكلت الحلقة الضعيفة في السلسلة الرأسمالية آنذاك. لقد اجهضت هذه التجربة بدورها وتعرضت لكل انواع النقد والهجوم البرجوازي والرجعي. وتم تصويرها على انها كانت قمة الديكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان. لكن بالحكم الموضوعي وبالمقارنة مع ما ارتكبته البرجوازية طيلة اربعة قرون من اجل استتباب سلطتها فان البروليتاريا كانت اكثر انسانية وأكثر رأفة.انها لم تستعمل العنف إلا من اجل الدفاع عن سلطتها ومن اجل ردع البرجوازية والامبريالية والنازية. ولكي يكون التقييم موضوعيا للتجربة السوفيتية لا بد ان يتم على قاعدة حماية مصالح الطبقة العاملة وكل الطبقات ذات المصلحة في التغيير الثوري انذاك وليس على قاعدة معايير البرجوازية والتي ارادت ان تجعل منها معايير كونية لا بد من التقييد بها والتي في قلبها تقديس الملكية وعدم السماح بتقويضها وتحويلها الى ملكية جماعية.
واستكمالا لمسارها العدواني، وفي مرحلة تطورها المتسمة بالطابع الامبريالي فان البرجوازية نفدت حربين عالميتين ذهب ضحيتها الملايين من البشر، وتم تخريب اقتصاديات بلدان، و استعمار قارات وهو ما لا زلنا نعيش تبعاته الى اليوم. انه قانون راس المال المتعطش للربح والذي لا يعرف كابحا امام تحقيق هدفه هذا.
التيتي الحبيب 16/03/2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق