الأربعاء، 30 مارس 2016

قراءة نقدية في الوثيقة المرجعية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بقلم الرفيق حسن الصعيب

قراءة نقدية في الوثيقة المرجعية
لفيدرالية اليسار الديمقراطي
بقلم الرفيق حسن الصعيب
تعززت الساحة السياسية بميلاد فيدرالية اليسار الديمقراطي، حيث قررت أحزاب تحالف اليسار الديمقراطي، حزب المؤتمر الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الارتقاء بتحالفها إلى مستوى فيدرالية كصيغة تنظيمية متقدمة وانتقالية، وكمشروع سياسي يجسد صيرورة التنسيق منذ خمس سنوات.
وجاءت هذه الولادة كطموح للأحزاب الثلاثة من اجل تجاوز أزمة اليسار بكل أعطابه السياسية والتنظيمية وكضرورة موضوعية لتوحيد قوى اليسار المناضلة، خصوصا بعد التراجع الملحوظ لحركة 20 فبراير وهجوم النظام المخزني على المكتسبات التي تحققت بفضل نضال الأمس، وفشل القوى الأصولية التي وصلت إلى السلطة في المنطقة العربية والمغاربية وانكشاف تواطؤها مع المراكز الامبريالية وسعيها المحموم للانفراد بالحكم، واستمرار ديول الأزمة الرأسمالية وانعكاساتها الخطيرة على شعوب العالم كافة.
تروم الوثيقة الجواب على بعض الأسئلة الشائكة التي تؤرق بال المناضلين/ات من قبيل: لماذا لم يؤدي نضال الشعب المغربي وقواه التقدمية منذ الاستقلال إلى التغيير الديمقراطي المنشود؟ وهل كان هذا التغيير ممكن الحدوث بالنظر إلى موازين القوى ومعطيات الصراع الموضوعية؟ وماهي الخطط والبرامج والوسائل الكفيلة بالقطع مع وضعية الانحسار والتراجع التي يعاني منها اليسار المغربي؟
جوابا على هذه الأسئلة تحاول الوثيقة تشخيص طبيعة المرحلة السياسية الراهنة بالوقوف مليا عند المعطيات السياسية التي طبعت فترة ما قبل حركة 20 فبراير، تم المستجدات العربية والمغاربية والدولية التي كانت وراء ولادة حركة فبراير وكذا تقييم أسباب تراجعها، للخلوص إلى تحديد طبيعة النظام السياسي المأمول تحقيقه، والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي تقترحه على المناضلين/ات، وكذا الانخراط في العملية الانتخابية المقررة في نهاية سنة 2015، باعتباران المشاركة هي القاعدة والمقاطعة هي الاستثناء،
كل هذه المحاور تؤطرها أطروحة إستراتيجية النضال الديمقراطي التي بلورها الاتحاد الاشتراكي في أواسط السبعينات، والتي تحدد كهدف استراتيجي تروم إلى تحقيقه متمثلا في شعار ملكية برلمانية.
كي يستقيم النقد بشكل موضوعي، لابد من تفكيك أطروحة إستراتيجية النضال الديمقراطي كما تطرحها الوثيقة المرجعية والتي لا نراها إلا نسخة طبق الأصل للأطروحة التي بلورها الاتحاد الاشتراكي قبل مشاركته في حكومة التناوب ألمخزني.
I- في نقدأطروحةإستراتيجيةالنضال الديمقراطي
أول ملاحظة تسترعي الاهتمام هي أن التاطير الإيديولوجي لاستخدام النضال الديمقراطي كخيار استراتيجي، لا تطرح نهائيا إشكالية تجاوز الرأسمالية كنظام اجتماعي واقتصادي، وان كانت تنتقد الشرور الناجمة عنه، وتقف كثيرا عند الفوارق الطبقية والتوزيع الغير العادل للثورة، داخل المجتمع، وتكريس اقتصاد الريع، واستبدادية الدولة المخزنية التي ما تزال تعامل المواطنين/ات باعتبارهم مجرد رعايا. ولعل غياب تجاوز النظام الرأسمالي كبعد في هذه الإستراتيجية هو ما يفسر سقوطها في تكتيكات تارة تكون نخبوية، وتارة انتظارية مما يعرضها عاجلا أم لاحقا إلى الاحتواء من طرف الطبقات السائدة، ولعل تجربة حكومة التناوب ألمخزني تمثل اسطع مثال، رغم أن الرفاق في فدرالية اليسار الديمقراطي يقيمون فشلها، بانحرافها عن تجسيد إستراتيجية النضال الديمقراطي. فلا تجني من ورائها الجماهير أي مكسب قد يعزز من نضالها الديمقراطي ولو في حدوده الدنيا، رغم التضحيات التي تقدمها.
وللكشف عن أوهام إيديولوجيا النضال الديمقراطي كخيار استراتيجي، ينبغي التساؤل عن الإيديولوجيا التي يعممها النظام الرأسمالي التبعي على المجتمع المغربي، والتركيز على مضمونها الاستيلابي الذي يخفي حقيقة الاستغلال الرأسمالي وتشوهاته الاجتماعية والثقافية، إذ نلمس بجلاء واضح، مدى التأثير الذي تمارسه هذه الايدولوجيا على النخبة السياسية ، باعتبارها نخبة سياسية مدينية متشكلة من الطبقات الاجتماعية المتوسطة والصغيرة، التي تستعمل النضال الديمقراطي كخيار استراتيجي، من حيث كون هذه النخبة تمارس نشاطها السياسي والنقابي والإيديولوجي على أساس القوانين الرأسمالية وبشكل أوضح قوانين الدولة التابعة وان عارضت استبداديتها وانتقدت ممارستها المخزنية، فليس لجوهرها الذي يعكس السيطرة الطبقية والسياسية للطبقات السائدة من خلال جهاز الدولة، وإنما لأنها في العمق تعرقل ولا تنسجم مع الرأسمالية الليبرالية، التي تعتمد على نمط للإنتاج عقلاني والتي تسمح بالانفتاح الديمقراطي على مكونات المجتمع المدني والسياسي وإشراكها في كافة القضايا العامة المطروحة على المؤسسات العمومية والسياسية، وبالتالي فهي ترضى بالعمل من خلال أدواته والمشاركة في بعض مشاريعه إن اقتضت الضرورة ذلك والتحمس لمؤسساته المزيفة رغم طابعها الرجعي والتضليلي بحجة تغييرها من الداخل. إذ تحتل هذه المؤسسات أهمية كبيرة في نشاطها السياسي بينما تعمل على تقزيم نشاطها في النضال الجماهيري، وعدم المساهمة في بناء التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير كأساس للتغيير المجتمعي. وهذا يؤكد أن تعاملها مع النضال الديمقراطي كاختيار استراتيجي، لا يسمح بتوسيع آفاقه ومن إمكانياته، والأخطر من ذلك المساومة عليه.
وإذا كانت الوثيقة تركز على بناء اقتصاد وطني وترشيد الاقتصاد بسياسة عقلانية تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الأساسية للبلاد، وتربط التعليم بالتنمية والإنتاج بالثقافة والعلم، وتنتقد بدون هوادة طفيليته البرجوازية الاحتكارية وعدم استثمار أموالها التي تهرب إلى الخارج في مشاريع منتجة، تدمج فئات واسعة من الشباب التي تعرف نسبة عالية في البطالة، كما تنتقد تهربها الضريبي، وبشكل مركز تطرح الضرورة الموضوعية للخروج من التخلف وتحديث المجتمع ودمقرطته وبناء دولة القانون، لكنها في الوقت نفسه، لا تتساءل ولا تشير إلى علاقات السيطرة وتغفل طابعها الرأسمالي التبعي وركائزه المحلية من كومبرادور وملاك الأراضي الكبار. وفي هذا الإطار يصبح المطلوب على المدى البعيد ليس تقويض دعائم هذا النظام وركائزه المحلية، بل التكيف معه بأفق التقليص من شروط الاستغلال المكثف من جهة، والحد من شطط استبدادية الدولة المخزنية، من جهة أخرى. لكن دون الطموح إلى إلغاء جوهرها، ومع ذلك يبقى هذا النضال غير قادر على مجرد إصلاح النظام الرأسمالي التبعي لاختلاف بنيته عن بنية النظام الرأسمالي في الغرب أولا ولهشاشته ثانيا، ولتبعيته لهيمنة الشركات المتعددة الجنسية والمنظمات العالمية النقدية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي لا تسمح نهائيا بتطوير اقتصاد وطني بل تحكم عليه بالتخلف والتأخر لأمد طويل ثالثا.
II- في نقد مفهوم الملكية البرلمانية كسقف سياسي
صحيح أن الوثيقة دققت نسبيا مفهومها للملكية البرلمانية كهدف استراتيجي في نضالها، سيما عندما اعتبرت أن تبنيها للملكية البرلمانية "لا يعني أنها تتعلق بالأوهام اوانها تقدم شيكا على بياض للطبقة الحاكمة... وأنها تعي جيدا أن هذا الهدف لن يكون منحة من احد، ولن يتحقق دون صراع وكفاح...كما تعي أن التطور التاريخي للمجتمع المغربي بتشكيلته الاجتماعية وبنياته الثقافية، يجعل من الملكية البرلمانية الحل الأسمى تاريخيا للتناقض الرئيسي بين قوى التحرر والتقدم والاشتراكية من جهة، وبين قوى الرجعية والمحافظة والتخلف من جهة ثانية، وتضيف الوثيقة أن: "تحويل الملكية التنفيذية إلى ملكية برلمانية يعتمد النضال الديمقراطي السلمي وتجنيب البلاد مخاطر المجهول كما حدث في بعض البلدان.
ملكية برلمانية يؤطره دستور ديمقراطي يضمن للشعب المغربي ممارسة سيادته كاملة عبر فصل حقيقي للسلط، وحكومة منبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة تمارس كامل السلطة التنفيذية ومسؤولية أمام برلمان منتخب بالا قتراع العام والمباشر، قادر على مراقبة الحكومة وممارسة السلطة التشريعية وسلطة قضائية مستقلة وإعلاما عموميا حرا يعكس التعددية السياسية والثقافية واللغوية للمجتمع المغربي."
رغم هذه التوضيحات السياسية والنضالية التي تجعل من تجسيد ملكية برلمانية بمثابة رهان سياسي ونضالي، يحتاج إلى سيرورات كفاحية، فان تغييب البعد الاستراتيجي المتمثل في تقويض الركائز الاقتصادية والسياسية والقمعية للطبقات السائدة، يجعل منه شعارا قابلا للالتفاف والاحتواء من طرف النظام ألمخزني، كما حدث مع دستور 1996 الذي صوتت عليه الكتلة الديمقراطية باستثناء منظمة العمل، الذي جسد الأرضية السياسية لإدماج المعارضة في اللعبة السياسية. ثم حدث ثانيا مع دستور 2011 الذي جاء من اجل احتواء حركة 20 فبراير والالتفاف على مطلب دستور ديمقراطي يجسد سيادة الشعب وإرادته في إقامة نظام ديمقراطي يقطع مع الاستبداد.
أما الانطلاق من تجسيد هذا الشعار انطلاقا من تجارب الشعوب وخاصة الأوروبية، فانه لا ينبني على مقارنة موضوعية لسبب بسيط هو أن هذه التجارب قامت على قاعدة اقتصاد وطني في إطار بنية رأسمالية متقدمة وفي ذات الوقت على قاعدة فكرية وسياسية أهم مرتكزاتها فصل الدين عن السياسة في إطار تحييد الدين من الصراع السياسي، وتعليم علماني وديمقراطي يساوي بين الجميع ويشجع على الابتكار وحرية البحث، وتأسيس دولة القانون بناءا على فصل حقيقي للسلط والسيادة للشعب.
كما أن الوصول إلى هذه الصيغة التوافقية جاءت نتيجة أحداث سياسية كبرى وصراعات طبقية عميقة، فبالنسبة لاسبانيا القريبة منا، جاءت كتتويج للصراع ضد الديكتاتورية منذ الثورة الجمهورية لسنة 1936 ثم فشلها، الى حين انتصار الانتقال الديمقراطي في أواسط السبعينات من القرن الماضي. أما في بريطانيا فقد جاءت نتيجة التوافق التاريخي بين الارستقراطية والبرجوازية دون إغفال النضال الثوري للطبقات الشعبية وعلى رأسها نضال الطبقة العاملة الذي وثقه بمنهجية علمية مؤسسا الاشتراكية العلمية: ماركس وانجلز.
إن الدرس الذي يجب استخلاصه من هذه التجارب هو اعتبارالشكل السياسي الذي يحل التناقض بين الدولة الاستبدادية والدولة الديمقراطية يتأسس على نضالات سياسية وطبقية عميقة ولا يرتهن بشكل مسبق بوجهة نظر هذا الطرف أو ذاك، بالقفز أو التحكم في مصير التحولات العميقة التي تشهدها السيرورات الثورية في المنطقة العربية والمغاربية رغم المخاضات العسيرة والمآسي الاجتماعية والانسانية التي تخلفها هذه السيرورات ذلك أن التاريخ، كما قال ماركس في إحدى تعبيراته الحكيمة، له خيال واسع يتجاوز تحليلات الخبراء والنخب التي تدعي امتلاك الحقيقة وتحتقر بوعي أو بدون وعي الزلزال السياسي الذي قد تحدثه ثورات الشعوب عندما تمتلك الوعي الثوري لتغيير مسار التاريخ نحو تاريخ أفضل حيث تسود الحرية والكرامة والعدل والمساواة.
III- النضال الديمقراطي من منظور الطبقة العاملة وعموم الكادحين
يرتكز مفهوم النضال الديمقراطي من موقع الطبقة العاملة والجماهير الكادحة إلى تصور إيديولوجي، يتمثله كتكتيك مرحلي أو كحلقة ضمن المسلسل الثوري، الذي تدشنه في صيرورتها النضالية، انطلاقا من موازين القوى السائدة الذي يفتح الآفاق نحو مستويات أخرى من النضال متعددة ومتنوعة ومتقدمة.
انه نضال ديمقراطي جماهيري يستهدف أساسا تحقيق المطالب الآنية للجماهير وإقرار حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واللغوية. ويتم خوض هذا النضال على أساس برنامج مرحلي يعكس بالفعل طموحات الجماهير الشعبية ويعبر في الوقت نفسه عن إمكانياتها الذاتية والموضوعية ولا يقفز على طبيعة المرحلة ومستوى تطور الصراع الطبقي وموازين القوى السائدة. ويتميز بكونه نضال شاق وطويل تخوضه الجماهير من خلال تنظيماتها الذاتية المستقلة التي تشكل الضمانة الأساسية لتطوير هذا النضال والارتقاء به من مستواه البسيط إلى مستوى آخر أكثر تطورا ونوعيا، ومنفتح على آفاق التغيير الشامل من جهة، ومن جهة أخرى الإطار الذي تبلور من خلاله الجماهير ديمقراطيتها المباشرة وسلطتها البديلة.
ذلك أن السيرورات الثورية القائمة وتراجع حركة 20 فبراير، أبانت عن اختلال بنيوي والذي يتجلى في عدم تمفصل نضال الحزب الثوري أو القوى الثورية مع نضالات التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير.
ويأتي دور بناء التنظيمات المستقلة إلى كونها تصهر نضالات الجماهير في قوة مادية مؤثرة وفاعلة، فكما أن البرجوازية تفرض هيمنتها من خلال تكتلها الطبقي والسياسي عبر أجهزتها السياسية والإيديولوجية والإدارية والقمعية، كذلك تستطيع الجماهير الشعبية أن تنظم قواها، من خلال تكتلها الطبقي والسياسي الذي تشكل التنظيمات الذاتية المستقلة، أدواتها في الدفاع عن مطالبها وحقوقها والحرص على حماية مكتسباتها التي حققتها بفضل نضالها وتضحياتها والإسهام في بناء شروط ديمقراطيتها.
من ناحية أخرى تكتسي التنظيمات الذاتية المستقلة أهمية لكونها تلعب دورا أساسيا في تطوير وعي الجماهير بظروفها الخاصة وقضاياها الاجتماعية والسياسية وبطموحاتها الآنية والبعيدة، كما تساهم في تعبئتها وزجها في النضال: نضال طويل وشاق من اجل انتزاع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية وربط هذا النضال بالنضال السياسي العام وتطويره إلى أعلى الدرجات وصولا إلى التغيير الثوري، وستكون هذه التنظيمات ديمقراطية بالفعل عندما تتمكن من إدماج التعدد الثقافي واللغوي الذي تزخر به بلادنا وكذلك الاهتمام بالخصوصيات الاثنو- ثقافية في صيرورة بناء هذه التنظيمات باعتبارها تؤسس للمجتمع الجديد. من هنا ضرورة تحويل المنظمات الجماهيرية الموجودة إلى منظمات ديمقراطية ومستقلة عن هيمنة حزبية كانت أو غير ذلك دون أن يعني ذلك إعدام مساهمة ومشاركة مناضلي التنظيمات السياسية. وبناء تنظيمات جماهيرية أخرى للشباب والنساء وجمعيات أو وداديات لحماية المستهلكين من ارتفاع أثمان المواد الغذائية أو غيرها، ومختلف أشكال التنظيمات الأخرى والتي قد تبدعها الجماهير في صيرورة كفاحها الديمقراطي والثوري.
إن انبثاق مسلسل التغيير الثوري في بنيات المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية يتطلب الاعتماد على قوة الجماهير وعلى تشجيع مبادراتها، وتأسيس تقاليد ديمقراطية تنمو في خضم نضالها والتي ستحميها في حالة انتصارها على عدوها الطبقي من مخاطر الانحراف البيروقراطي وتحول القوى الثورية إلى وصية على الجماهير. ذلك أن قصور بناء الاشتراكية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابق أكد حقيقة تهميش الجماهير في صنع قرارها وتقرير مصيرها بنفسها، وأبان عن وصاية الحزب والدولة في الإنابة عن الجماهير في الدفاع عن مصالحها، الشيء الذي تولدت عنه عدة أمراض اجتماعية وسياسية كالاتكالية والبيروقراطية كما أن تجارب حركة التحرر العربية في كل من مصر وسوريا والعراق والجزائر كلها أفضت إلا إلى الباب المسدود وتم الارتداد على عدة مكاسب حققتها الجماهير بفضل كفاحاتها وتضحياتها الكبيرة بسبب جعل المنظمات الجماهيرية مجرد ملاحق للحزب والدولة والدفاع عن سياساتها التي لم تكن في غالب الأحيان تعكس طموحات الجماهير في التقدم والتحرر ولم تستشر في كافة القرارات ذات الصبغة الوطنية أو القومية، مما عطل كثيرا عملية التحرر وبناء الديمقراطية في هذه البلدان، كما ساهم في تكالب القوى الاستعمارية والامبريالية على شعوبها.
هكذا، فان التصور الذي يركز فقط على بناء الحزب الثوري، قد أصبح متجاوزا مالم يستند على ركيزة التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير ليس فقط من اجل إحقاق التغيير وبناء الدولة الجديدة حاملة مشروع التقدم، بل أيضا من اجل تحرر هذه الجماهير نفسها والاعتماد على نفسها في ذلك لمواجهة كل الاحتمالات التي قد تعيدها إلى الوراء ا والى العهد البعيد.

IV- على سبيل الختم
من خلال هذه القراءة النقدية للوثيقة المرجعية لفدرالية اليسار الديمقراطي، يبدو أن مشروعها السياسي العام يتغيى الدفاع عن "مشروع البرجوازية الوطنية" بخطاب يساري وان كنا سنختلف معه بعد انجاز أهداف مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي على طريق البناء الاشتراكي، فهو سيشكل حليفا استراتيجيا في إطار بناء الجبهة الوطنية من اجل إسقاط المخزن وبناء النظام الديمقراطي، شريطة تخليه عن أوهامه بخصوص إصلاح النظام من الداخل والتكيف مع مقتضيات التبادل الغير متكافئ مع الامبريالية.
وإذا كان النظام ألمخزني قد أغلق الحقل السياسي والاجتماعي على الجميع من خلال التحكم بقبضة من حديد على مقاليد الحكم واحتكار القرار السياسي في كل ما يتعلق بالقضايا العامة للشعب المغربي، فان فدرالية اليسار الديمقراطي بالمثل قد أغلقت الحقل السياسي على فصائل اليسار الراديكالي، من خلال اعتبار الملكية البرلمانية، الانتخابات والوحدة الترابية مثلثا محرما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق