شيشاوي في حوار صريح مع “الجواب” من البام والهمة والبيجيدي إلى التقاعد والقضاء والعقار
أجرى الحوار: فاطمة الزهراء شرف الدين
أمضى عشر سنوات من عمره في غياهب السجون وكان أصغر معتقل سياسي في عهد اتسم بانتهاك حقوق الإنسان، ولكن جمال شيشاوي قرر أن يطوي صفحة ” سنوات الرصاص” من حياته، مفضلا أن ير الكأس المملوء نصفها، وهو يستعيد ذكرياته مع رفاق الأمس في السجن السيء الذكر ” درب مولاي الشريف”، لتأتي المصالحة التاريخية وتقطع مع مسلسل الصراع والانتقام، ويصبح المعتقل السابق مسؤولا عن جبر الضرر الاجتماعي بهيئة الإنصاف والمصالحة، ويلتحق وعددا من ضحاياها بـ ” حركة لكل الديمقراطيين” ، ليستقر المقام بابن شيشاوة بحزب الأصالة والمعاصرة، مسار يفخر به جمال شيشاوي ولا يخجل من الدفاع عنه رغم التخوين والنيران الصديقة، في هذا الحوار يكشف جمال شيشاوي لموقع ” الجواب” عن مراجعات اليوم كسياسي في حزب يوصف بـ”حزب الدولة” وعن دروس الماضي كماركسي في منظمة ” إلى الأمام” وعن التخطيط لمغرب الغد بعيون مهندس معماري.
كنت معتقلا سابقا لانتمائك لمنظمة “إلى الامام” وكنت أصغر معتقل آنذاك كيف جرى هذا التحول من أقصى اليسار إلى حزب الأصالة والمعاصرة؟
هناك تمييع لهذا النقاش، فالشعب المغربي كله كان معتقلا، نحن لا شيء، لقد طوينا الصفحة وأردنا بناء المستقبل، نحن لم نناضل لكي ننتقم والتحاقي بحزب البام، هو بناء على تقييمي للتجربة السياسية، والبام هو إجابة تاريخية على أزمة سياسية، وله مشروعية تاريخية لأنه إحدى الخلاصات السياسية لهيئة الإنصاف والمصالحة التي جاء فيها أن هناك ضعفا وغيابا للنخب السياسية وتزايد المد الإسلاموي، الذي كان يشكل خطرا بسبب الفراغ، فالدولة لم تعد لديها الإمكانيات الذاتية في المجتمع لمواجهة الامتدادات الإسلاموية التي استخدمت لمحاربة اليسار، بدءا من تعيين الحسن الثاني لمجموعة من المستشارين بإيعاز من الدكتور الخطيب الذين كانوا محكومين بالإعدام والمؤبد في سوريا، وتم قمع وضرب اليسار، ولكن بعد التغيير في هرم الدولة فتحت نقاشات حول التجربة السياسية السابقة، واعترفت الدولة بأخطائها في التعامل مع اليساريين ، واعتراف الدولة مر في اتجاه تحمل مسؤوليتنا في الجانب الحقوقي منها تعيين ادريس بنزكري، الذي رفض في البداية أن يعين على رأس هيئة الإنصاف والمصالحة وأغلق هاتفه لمدة أربعة أيام، وتسبب له ذلك في مشاكل عائلية، فلم يكن من السهل عليه الموافقة وقد كان القيادي المسؤول عن منظمة ” إلى الأمام” في السجن، ولم يقبل إلا بعد اقتناعه.
وفؤاد عالي الهمة كان طرفا في بناء المصالحة في الهيئة، وقد لعب هذا الدور كممثل للدولة ولكن أيضا كإنسان مثقف ويحمل رسالة إنسانية، والتوجه الرسمي للدولة هو ضد التعذيب ومع حقوق الإنسان، كما أن الدولة اعترفت بأخطائها مع اليسار والتعذيب، ولكن هناك بعض الأطراف حتى داخل الدولة مازالت تحن لأيام ادريس البصري.
أنت من مؤسسي حركة لكل الديمقراطيين ولكنك التحقت متأخرا بحزب الاصالة والمعاصرة، ما السبب؟ هل مورست عليك ضغوط؟
لا أبدا، لا أحد يمارس ضغوطا على أحد،عندما كنت في حركة لكل الديمقراطيين كنت ضد تأسيس حزب كمرحلة أولية لعدم وجود شروط موضوعية، ثم التحقت بالبام سنة 2011، ولكنني حاليا أرى أن تأسيس حزب كان قرارا صائبا، رغم التجميع ورغم الأخطاء ولكن يمكننا بناء حزب من نواة اليسار له قدرات ميدانية جيدة.
لاحظت أنك غائب عن الساحة الإعلامية ولا نسمع لك تصريحا في أي قضية رغم أنك قيادي في حزب الأصالة والمعاصرة؟
أولا، أعتبر أن الحزب له منابر رسمية وأنا أحترم قواعد العمل الحزبي، وجهات النظر أناقشها مع رفاقي، ثانيا، كانت لدي فكرة أن كثرة التواصل تقتل التواصل، لذلك ارتكب الحزب أخطاء في صراعه مع حزب العدالة والتنمية انطلاقا من غياب حرفية في التواصل وغياب التراتبية والتنظيم التواصلي، والدليل هي تلك المواجهات في البرلمان وردود الفعل غير المبنية على تقييم السياسات العمومية والنقد اللاذع لبرنامجها وهذا لا يتطلب أدلجة الخطاب، فالأرقام كافية، ولكن تلك الأخطاء تجاوزناها مؤخرا.
على ذكر السياسات العمومية والأرقام، ما هو تقييمك لحصيلة العمل الحكومي؟
الحكومة فتحت أوراشا لا مزايدة عليها مثل المقاصة والتقاعد وكانت جرأة تحسب لبنكيران، ولكن كيفية التعامل معها كان سلبيا جدا وقد تم التعامل معها كأنها فزاعات، فمثلا إصلاح صندوق المقاصة ليس الهدف منه ” تربح الخزينة” ولكن توظيفه في خلق الثروة.
أما ” إصلاح التقاعد” فهو مشروع محكوم عليه بالفشل لأنه لم يتم إشراك الفاعلين الأساسيين الاجتماعيين والنقابيين، كما أن قوانين التقاعد غير منطقية لأنها تتطلب مجهودا أكثر واقتطاعات أكثر وتمديد السن غير منطقي وغير معقول مع ظروف عمل المعنيين، كما أن هذا القانون يمس فقط فئة معينة من الموظفين، في الوقت الذي يجب فيه فتح تحقيق عن طريق لجنة برلمانية لمعرفة مآل أموال صناديق التقاعد وأملاك التقاعد.
من جهة أخرى، الشعب المغربي شعب منتج وشبابه قوي، فنحن بلاد لها نسبة مهمة من الشباب، ولكن لا يمكنك أن تنتج بشكل قوي إن لم يكن لديك ضامن لاستقرار الرأسمال المالي، فمثلا الأبناك بالمغرب لا تعطي للجانب الاجتماعي أهمية بسبب غياب عمل حكومي هادف يدفع قوى رأس المال للعمل في اتجاه العمل الاجتماعي وخلق الثروة.
المغرب يتوفر على 3000 كلم من البحار وما زالت بنياتنا التحتية ضعيفة جدا، صحيح خلقت مجموعة من المشاريع المهمة جدا ولها طابع اجتماعي منذ سنة 2000 إلى الآن، ولكن ” ما يمكنش تبان دابا خصها وقت”.
ثم هناك تعامل الحكومة مع مبدأ الاقتراض الذي حولته لتمويل التسيير ونفقات السيارات وغيرها، فالمديونية بلغت أزيد من 700 مليار درهم، وهنا يجب دق ناقوس الخطر لأن إمكانية الاجتهاد في هذا الجانب تعدم، فخلق ثروة وتطويرها في الاستثمار تصبح منحصرة وضعيفة، بل أكثر من هذا أربعة أجيال بالمغرب ستكون “مكتفة”.
أضف إلى ذلك ، بنكيران عين 157 من المستشارين يتقاضى كل واحد منهم ما بين 15 و30 ألف درهم، كلهم من أبناء الجماعة أو لديهم صلات قرابة وعلاقات عائلية، وليس هناك أدنى مقياس علمي في تعيين هذه الأطر، بينما كان عند عباس الفاسي 37 مستشارا وعند ادريس جطو 35 مستشارا وعند عبد الرحمان اليوسفي 32 مستشارا، كما تم تعيين مدير ” الأنابيك” بطريقة تفتقر للوضوح والشفافية ولم تخضع للمساطر القانونية، وتعيين محمد الهلالي نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح مديرا للشؤون القانونية بوزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، رغم أنه محدود علميا في المجال القانوني، فالتعيينات تحكمت فيها الخلفية الإديولوجية.
بالإضافة إلى هذا تم فتح الطريق السيار لآسفي بدون استيفاء المواصفات القانونية، فالمساطر القانونية المتبعة في فتح الطرق السيارة لم يتم احترامها في الطريق بين الجديدة وآسفي، ويصل في بعض المرات الخبث السياسي للمسؤولين في الحزب الحاكم إلى تصفية الحسابات حتى مع بعض الخبراء الذين لديهم ارتباطات مع مؤسسات تابعة لوزارة التجهيز مثل ادريس الفينا، الذي كان له ارتباط مع مكتب للدراسات تابع لوزارة التجهيز، ومباشرة بعد تدخله في برنامج تلفزيوني للتعقيب على وزير المالية، تم فسخ العقد معه في اليوم الموالي، وهذا تعامل إديولوجي فاشي مع الاختلاف، والدليل تصريح محمد يتيم الذي يهدد فيه بالإرهاب إن لم يفز حزبه، وهذا يعبر عن أمرين أن حزبه وصل للطريق المسدود سياسيا وليست لديه الشجاعة والجرأة للتقييم الموضوعي لتجربته في التسيير وتقييم سياساته العمومية وطرحها للشعب المغربي بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، ثانيا هو تعبير عن المنظور الفاشي لحركته الدعوية التي تشكل مشاتل لتفريخ إديولوجية معينة.
وعد إلياس العماري بإعادة فتح نقاش حول قوانين التقاعد إن ترأس حزبه الحكومة القادمة، وهناك من اعتبرها مزايدات سياسية واستغلالا لغضب الموظفين والنقابات من المشروع الحكومي، ما ردك؟
للبام مشروع متكامل للتقاعد الذي سيتم عرضه في الوقت المناسب وكمسؤول سياسي في الحزب ، فأؤكد لكي أن تصريحات الأمين العام ليست تصريحات لتبخيس العمل السياسي أو مجانية بل تعتمد على دراسات معمقة واجتهادات ونتائج خلاصات، نعم ” كنديرو بيه السياسة” وهذا من حقنا، ولكن المواطنين من حقهم محاسبتنا ونتحمل مسؤولية ذلك، وبالنسبة لي، فمشروعنا عن التقاعد سيكون ناجحا مائة في المائة لأنه حاول أن يستشير مع كل المتدخلين بمن فيهم المتدخلون الاجتماعيون ورجال الأعمال.
أنت مهندس معماري وخبير في التعمير، وهذا يجرنا للحديث عن انهيار عمارة اسباتة والمنازل الآيلة للسقوط ومشاكل السكن والعقار بصفة عامة، من يتحمل المسؤولية؟
أولا الدولة قدمت استقالتها في مجال السكن، ووزارة السكنى لا علاقة لها بالسكن، بل إن مؤسسات الدولة كالعمران أصبحت مؤسسات لا تقوم بمهمتها الفعلية وهي دعم السكن الاجتماعي وإقامة توازنات على مستوى السوق المالي للعقار بل في كثير من المناطق لا حسيب ولا رقيب، بل تساهم في إغناء سوق المضاربات.
تدخل الدولة مازال مطلوبا في قطاع السكن الذي يعاني منه المغاربة والمآسي التي تقع فيه، فسياسات الدولة كانت تعالج هذه المسألة بطريقة غير عميقة، مثلا التجزئات السكنية للدولة هي مشاريع فاشلة لم تعط إلا مجموعة دواوير من الإسمنت، فمن خلال تقارير المجلس الأعلى للحسابات، فعدد من الناس لم يتسلموا لحد الآن شهادات الملكية بتجزئات الدولة، في غياب عملية تصفية الوعاء العقاري مسبقا.
الفساد الكبير الموجود في المغرب هو الموجود في التعمير، فمن لديه هكتاران يقدم رشوة للمهندسين المعماريين فيبنون له عمارة من خمس طوابق، و”لي ما مزيانش كيديرو ليه مساحة خضراء” ، فالحسن الثاني في صراعه مع اليساريين في مرحلة ما، كان ينتقم من عائلاتهم الغنية بالتوجهات في التعمير، مثل عائلة ملوك المليارديرة بالدار البيضاء إذ أدخل ضيعتهم التي كانت تقدر مساحتها بـ 700 هكتار إلى المجال الحضري ومنع البناء فيها وأصبحت مزبلة، واستحوذ قانونيا عليها وأعطاهم أرضا خلاء، بسبب أبنائها الثلاثة المعارضين.
الخلل هو أن الدولة تقوم بتصاميم وتجمد المجال وهو متحرك، وبالتالي ” كتكتف يدك بيدك” لا توجد فلسفة للتخطيط العمراني التي تراعي الإنسان، وليست هناك عدالة مجالية، ونحدث قوانين جامدة تطبق على الكل رغم أن المجال مختلف بالمغرب، فالبنية القروية التي لدينا بالغرب ليست هي نفسها في تافيلالت أو في سوس، وبالتالي ليس هناك اجتهاد في هذا الجانب، والذي يجب أن يتماشى مع الجهوية الموسعة، بمعنى قوانين جهوية تأخذ بعين الاعتبار المشروع الاجتماعي والإنجاز العمراني وليس مخططات جامدة، ليس هناك أي تصميم تهيئة محترم.
من جانب آخر، هناك غياب للوضوح وغياب رؤى للدولة وللمجتمع وللمنتخبين وغياب التوازنات، فلا يعقل أن حصيلة ما يبنى في المغرب، يبنيه 5% من المهندسين المعماريين فقط.
بين الفينة والأخرى، تطفو على السطح سجالات حول التعليم سواء فيما يتعلق بالتعريب أو استبدال التربية الإسلامية بالتربية الدينية، ما رأيك ؟
التعليم وصل لأدنى مستوياته، مشكل التعليم ليس مشكل بنيات بل مشكل الاستثمار في الإنسان وأي إنسان نريده، والحكومة زكت هذا المستوى بشكل بشع انطلاقا من بهلوانية بعض مسؤوليها مثل الوزير السابق للتعليم محمد الوفا الذي لم يكن جديا في التعامل مع مشاكل التعليم بل “بهلوانيا”، ثانيا هو مشكل وطني وجدي، أولا في مناهجنا التعليمية، وليس عيبا أن نستفيد من تجارب دول أخرى مثل اليابان والبرتغال وكندا، وعلينا تجاوز الحسابات الضيقة وأن يتماشى التعليم مع متطلبات العصر ومع العالم كقرية.
أما مسألة ” التربية الإسلامية” فليس المشكل في الإسم ” يسميوها لي بغاو يسميوها”، فمكوننا الثقافي الإسلامي الأمازيغي يجب أن يكون حاضرا في جميع المناهج، وفي نفس الوقت على المتمدرسين معرفة حقيقة ما وقع في الفكر الفلسفي الإسلامي، الذي عرف مراحل من الثورة التي كانت كبيرة ومهمة جدا، مثل نظرية المعرفة عند ابن سينا، ابن خلدون، ثورة الزنج، ثورة القرامطة التي لا نعرفها وحكمت لمدة خمسة قرون في الشرق، فعلينا معرفة الفكر العقلاني الإسلامي المتفتح، ولكن لا يجب تدريس التربية الإسلامية لتكوين قنابل موقوتة، وعلينا تعلم اللغات، ولا يعقل ألا تدرس مادة الفلسفة في جميع الشعب، فهي مثل المعلوميات التي هي التواصل الإلكتروني، أما الفلسفة فهي التواصل العقلاني والعقلي، فالفلسفة يجب أن تدرس كذلك في كلية الطب ومدارس المهندسين لأنها تجيب عن سؤال مهم وهي كيف يجب أن تفكر، وإشكاليتنا الحقيقية هي أن شبابنا لا يفكر، للفلسفة دور تاريخي، الفراغ يؤدي إلى كارثة في الدماغ.
ولكن رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي لحسن الداودي انتقدا حاملي الإجازات الأدبية وربطاها بالبطالة ؟
هذا تخلف، شعب بدون ثقافة شعب متخلف، ولكن الشكل الذي يدرس به الأدب لدينا يعطي ” ناس مكيخدموش”، من أصعب وأجمل الدراسات في العالم الأنجلوساكسوني هي الدراسات الأدبية، لأن في الأدب والفلسفة لا يمكن أن تحصل على معدل عشرين على عشرين، وفي الهندسة المعمارية كذلك لأن فيها جانب الابتكار لذلك هناك توجه في مدارس الهندسة لمنع التنقيط.
بمناسبة حديثك عن الأدب، تمت محاكمة الروائي المغربي عزيز بنحدوش بسبب روايته ” جزيرة الذكور”، ما تعليقك؟
” خايبة حتى المعاودة”، وقد أعجبني تعليق القاضي السابق محمد الهيني الذي قال إنه يلزمنا خبراء في المحاكم، وهذا صحيح، فالقاضي هو إنسان ولكي يعطي حكمه في قضية ما، عليه التوفر على إمكانيات، وفي هذه النازلة على القاضي أن يكون معه خبير في الرواية، فكل إنسان له قراءته لها.
قضاتنا لم تمنحهم إمكانيات للاجتهاد والتطوير، أولا يجب أن يتحدثوا اللغات، فكيف يعقل أنه في بعض المناطق الأمازيغية مائة في المائة، والقاضي لا يتكلم الأمازيغية وما بين الترجمة عالمين، وبالتالي القضاء هو ضحية وضع اجتماعي ومطروح علينا مساندته ودعمه في استقلاليته.
وماذا عن الحكم القضائي الذي قام بتبرئة مغتصبي خديجة السويدي قبل انتحارها ؟
أعتبر أن الأمر بشع، تخونني الكلمات لوصف ما وقع لخديجة، لم يكن هناك أدنى احترام للإنسان وحقوق الإنسان.
ما رأيك في الجدل حول استقلالية القضاء بالمغرب؟
استقلال القضاء يحب أن يأتي كعملية تطور للممارسة الديمقراطية في المغرب وتكوين القضاة، وبالقطيعة مع النموذج الفرنكفوني، كما أننا لم نصل إلى النضج لكي تستقل النيابة العامة عن الدولة فستصبح هناك حسابات شخصية ودولة القضاة مثلما يقع بإيطاليا رغم أنها دولة ديمقراطية.
وماذا عن عزل القاضي محمد الهيني بدعوى ” خرق واجب التحفظ”؟
هو مواطن، هناك قضاة شعراء، هناك قضاة ومحامون حكام في مباريات كرة القدم في أوروبا وأمريكا، هو ضحية، وقد فوجئت بمستواه العلمي والفقهي ووطنيته وهم الوطن والإصلاح يسكنه، وله جرأة يجب احترامها، قد نخالفه ولكن لا يجب أن نصل إلى مستوى الانتقام منه، وما وقع هو انتقام منه، وهو لم يقل شيئا يمس ثوابت الأمة.
هل انزعجت من تعليق الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب على المستوى الدراسي لإلياس العماري؟
أعتبره تصريحا “تافه وحشومة” وإذا كانت تريد “ديبلومات” فيمكن أن أمنحها واحدا مما لدي، فقد حصلت على شهادتي باكالوريا في العلوم الرياضية والآداب، ودبلوم الهندسة المعمارية ودبلوم الدراسات القانونية من جامعة محمد الخامس ودبلوم حقوق الفرد في كندا.
الشاعر الفرنسي شارل بودلير والعقاد وكبار القياديين بأمريكا اللاتينية ليس لهم مستوى دراسي عال، وأتأسف للمناوشات التي لا تخدم إلا مصلحة الظلام، وأنا شخصيا تربطني علاقات تاريخية قوية مع رفاق في الاشتراكي الموحد تعود إلى فترة اعتقالي.
أحترم منيب وأقدرها ولكنني أتساءل ما الهدف من هذا الهجوم على البام وأين حرية التعبير والتقييم والتقويم في منظومتها الفكرية، لن أجادلها ولكنني أطلب منها أن تجد الجواب عند الحبشي ومصطفى مفتاح والعديد من مناضلي الحزب، وأريد أن أذكرها بالرفيق الشهيد عبد السلام المودن الذي كان رفيقا لي في سجن قنيطرة ودرب مولاي الشريف وتعلمت منه الشجاعة والدفاع عن القناعات.
لقد ذكرني تصريح منيب بواقعة تعرض لها رفيق ينتمي حاليا للحزب الاشتراكي الموحد والمدعو أحمد الحبشي، فقد قال له أحد الجلادين أثناء فترة اعتقاله قبل سنوات ” أنتم تريدون نظاما جمهوريا، فهل سيقبل المغاربة زنجيا مثلك رئيسا، وقد تم تعذيبه لأن بشرته سوداء، وكذلك تم تعذيب عبد الله الحريف لأنه كان يتقاضى آنذاك 5000 درهم، فيم لا يتعد أجر الموظف العادي 750 درهم والبايع عبد السلام عذب حتى الموت لأنه حاول تفسير المادية الجدلية لجلاده، فاعتبر هذا الأخير وفاته مفتاحا لدخول الجنة، واليوم نسُب إلياس العماري لأنه كان فقيرا والكل يعلم تضحياته من أجل أصدقائه، فلو طلبت منه قميصه يعطيه لك.
ألم تفكر في كتابة مذكرات تؤرخ وتوثق لمرحلة سنوات الرصاص في حياتك؟
وجدتني أفكر في كتابة مذكراتي، هي فكرة جيدة.
