الخميس، 2 يونيو 2016

هل اصبح اليسار ببلادنا جثة يقتات عليها ضباع وعقبان المخزن؟

جريدة النهج الديمقراطي عدد 217 من 16/الى31 ماي2016
كلمة العدد
هل اصبح اليسار ببلادنا جثة يقتات عليها ضباع وعقبان المخزن؟ هل اصبح اليسار مصابا بالكساح حتى فقدانه القدرة على هش ذباب المخزن عن عينيه؟
اسئلة مقلقة لابد من تناولها بالتحليل حتى يتفطن اليسار الى حاله ويستخلص الدرس والمهام من تبقى قابضا على الجمر، والعازم على مواصلة النضال والكفاح والوقوف في وجه النظام المتغول والمستبيح لكل شيء في هذه البلاد.
لفهم ما يقع اليوم لليسار لا بد من البحث في كيفية تدبير النظام للحقل السياسي بالمغرب. منذ بدايات سنوات الاستقلال الشكلي استنتج الباحثون ان المخزن وظف الفلاح المغربي كمدافع عن الملكية بل عن الملك كأمير المؤمنين. وفي ذلك اشارة بليغة لكون النظام السياسي لم يستطع ان يستند ويرتكز على قاعدته الطبقية المكونة من البرجوازية الكمبرادورية وكبار ملاكي الاراضي.لم يستطع جعل هذه الكتلة الطبقية السائدة حصنه الاجتماعي، بل اضطر الى البحث عن الدعم والسند وسط طبقات اجتماعية توجد في الدرجات السفلى. ولأنه اعتمد على هذه السياسة فانه وقع في مطب من اخطر ما يكون حيث تآكلت قاعدته الاجتماعية، واشتدت عزلته فبات مهددا فعليا بالسقوط المدوي كان تعبيرها الواضح المحاولتين الانقلابيتين في مطلع سبعينيات القرن الماضي. منذ تلك الازمة حاول النظام مراجعة سياسته عبرتوسيع قاعته الاجتماعية، واستقطاب دماء جديدة علها تشكل الدرع الواقي من الصدمات العنيفة، ومن بين اجراءاته تلك كانت سياسة المغربة وتوزيع بعض الممتلكات ( ضيعات المعمرين، استغلال مقالع الرمال والحجارة ومأذونيات النقل...) او من خلال خوصصة الابناك ووحدات الانتاج، وكذا تحويل المجال السياسي الى مجال لاكتساب الريع السياسي في المجالس القروية والحضرية وفي البرلمان، وغيره من المؤسسات العمومية.لقد مكنت هذه الاجراءات من جلب واستقطاب نخب مختلفة تم تنظيمها في احزاب سياسية وجمعيات الوديان والجبال الخ.لكن سرعان ما فقدت هذه النخب فعاليتها ونجاعتها المرجوة لأنها ساهمت بدورها الى جانب نهب الكتلة الطبقية السائدة في استنزاف خيرات البلاد بل سهلت في ايصال المغرب الى حالة الافلاس او ما سماها النظام بالسكتة القلبية.
لم يجد النظام امامه من حل إلا اللجوء الى خدمات احزاب الكتلة الوطنية، والتي كان قد اخضعها الى عملية ترويض واحتواء سياسي واجتماعي حيث تم استقطاب القيادات منها والأطر الوسطى الى المؤسسات السياسية والاجتماعية وتمكينها من حصتها من الريع.كان حزب الاتحاد الاشتراكي في طليعة من خدم النظام تحت مسمى الانتقال التوافقي.مرحلة لم تعمر اكثر من عشرة سنوات، لأن النظام احس بأن نخب الكتلة قد انتهت صلاحيتها، وان الفرصة اصبحت متاحة للتوجه الى استقطاب قوى يسارية اكثر مصداقية. هكذا دشن مرحلة جديدة كانت تحت يافطة الحقيقة والانصاف، فرسانها هم طاقات يسارية كانت تنتمي للحركة الماركسية اللينينية، لكنها ارتدت وشكلت جيش الاحتياط الجديد للنظام. فمنذ تلك اللحظة ستتوجه عمليات الاستقطاب الى هذه الاوساط وذلك عبر مجموعة من الوسائط والتكتيكات.
تم استهداف هذه الاوساط لأنها تضم بعض الطاقات والكفاءات تتمتع بشيء من نظافة اليد ومن رصيد معنوي. وهي لما تتحمل المسؤولية فأنها تشتغل بعقلية المناضل وليس بعقلية الموظف البيروقراطي. والمخزن واع انه لما يستقطب مثل تلك العينات، فانه متأكد بأنها ستعمل على جلب المزيد من الاطر من محيطها وعلى شاكلتها، وهي مضطرة لذلك حتى لا تظهر وكأنها عناصر انتهت باعت روحها للعدو القديم، وأنها ليست انتهازية، بل هي تعبر عن قناعة عامة اصبحت مشتركة بين اوسع مناضلي ذلكم اليسار. فعلى قاعدة هذه الاستقطابات تشكل جزء معتبر من حزب البام بل هذه العناصر هي من تشكل الدينامو السياسي والإيديولوجي والإعلامي لهذه الماكينة المخزنية. من جهة اخرى يسعى النظام الى توظيف هذه العينات في مهام حقوقية وديبلوماسية وسياسية بل اصبحت تترأس اللجان القانونية والاجتماعية والمجالس العليا.
وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى سياسة النظام تجاه الحركة الطلابية كاحد المنابع الجديدة لتسيهل عملية استقطاب النخب . لقد اشتغل النظام على تشتيت صفوف الفصائل الطلابية، لأنها شكلت تاريخيا مصدرا مهما لازعاجه ومدرسة لتكوين وتربية اجيالا من المناضلين رفدوا صفوف الاحزاب المناضلة.فبالاضافة الى اساليب الاحتواء العادية عرض هذه الفصائل الى حملة شديدة من القمع والأحكام القاسية، وهو ما يسمح بدفع المعتقلين والسجناء الى مراجعة قناعاتهم والسعي الى التخفيف من سنوات الاعتقال بل حتى الحصول على السراح ومن بعد الالتحاق بالمواقع المتفاوض حولها.
انها اذا عملية ممنهجة في تجفيف منابع تكوين المناضلين وفي استنزاف صفوف اليسار وتحويله الى طابور يجدد نخب النظام. لا زالت قاعدته الطبقية عاجزة عن انتاج نخب سياسية وفكرية وثقافية .لقد كانت ولا زالت قاعدة اجتماعية عاقر في انتاج السياسة والفكر، مكتفية باقتنائه من مرتزقة تستقطبهم من الطبقات الاجتماعية المستغلة الواقعة تحت هيمنتها.
بهذا يتضح لنا ولكل مناضلي اليسار، ان عملية استهداف الطاقات واستقطابها لخدمة النظام، هي سياسة متواصلة وممنهجة ولن تتوقف. ومهمة مقاومة هذا النزيف تتطلب اولا الوعي بها، ثم التوجه الى العمل الجاد من اجل محاربتها، وهذا يتطلب تكثيف كل الجهود وتوحيد الصفوف والاشتغال على تقوية ادوات النضال، بما فيها الجمعيات الحقوقية والاجتماعية والنقابات المناضلة، سواء منها العمالية او المهنية المختلفة، وكذلك الاحزاب والمنظمات السياسية، وتحصينها من الاختراق. يجب اعادة الاعتبار الى اليسار المغربي، وذلك بمحاربة الاوهام التي علقت ببعض مكوناته والتي مفادها امكانية اصلاح نظام فاسد، ثم لفظ كل الفضلات والجيف المسيئة لقيم اليسار، والتي جعلت جماهير شعبنا تنفر من الانتظام في صفوف هذا اليسار، والذي اصبح على ما هو عليه من كساح حتى استباحه ذباب المخزن.ولكي يتطهر اليسار من اذرانه عليه ان يستحم في نهر الجماهير، بل عليه ان يصبح كالسمكة في الماء.ان استعدادات شعبنا للنضال والكفاح هائلة وعظيمة، ذلك ما برهنت عليه حركة 20 فبراير وما ستكشفه اكثر ملاحم النضال القائمة والتي تعتمل بوادرها وسط الشعب؛ تلك الملاحم التي ستلقي بكل المرتزقة الى مزبلة التاريخ .ساعتها سيعيش النظام ازمته السياسية الكبرى حيث لن يستطيع التحكم في شعب يرفض ان يستمر في الانصياع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق