الأحد، 5 يونيو 2016

الماركسية والحركة النسائية: في تحولاتهما النظرية والسياسية

الماركسية والحركة النسائية: في تحولاتهما النظرية والسياسية

saib
الماركسية والحركة النسائية: في تحولاتهما النظرية والسياسية
 “العامل الحاسم في التاريخ، حسب المفهوم المادي هو في آخر الأمر، انتاج الحياة المباشرة وإعادة إنتاجها. على أن هذا الإنتاج نفسه ذو خاصة مزدوجة. فهو من جهة انتاج وسائل المعيشة، اعني الغذاء والكساء والمسكن ومايستلزمه إنتاجها من أدوات، وهو، من جهة أخرى، انتاج الكائنات البشرية ذاتها، اعني تكثير النوع.”
انجلز
 حسن الصعيب
 1- أطروحة أنجلز وتطبيقها الاشتراكي
 لا يعتبر تكريس الفروقات بين الجنسين وليد اليوم، بل هو نتيجة ألاف السنين، ويدلنا مؤلف “اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” لانجلز على الشروط التاريخية والاجتماعية لنشأة هذه الفروقات.
“لقد نشأ عن تطور قوى الإنتاج وتنمية الثروات الناتجة عن ذلك، انتهاء عهد الشيوعية البدائية من النوع الامومي من جهة والظهور المتزامن للملكية الخاصة والعائلة الأحادية من جهة ثانية.”
“وقد قامت هذه العائلة على أساس سيادة الرجل من اجل إنجاب أطفال غير مشكوك في نسبهم لأنهم سيصبحون في يوم من الأيام أصحاب الثروة التي كانت لوالدهم.”
ولتعميق تحليله ربط الظهور المتزامن للمجتمع الطبقي وتبعية النساء الاقتصادية بمفهوم تقسيم العمل. إذ يرى أن هذه العلاقة بين الرجال والنساء هي ضرب من التفرقة بين الجنسين. إن قوة العمل النسائية تجد نفسها بحكم خصوصياتها الجنسية موجهة نحو ألوان من النشاط ذات صلة بالتكاثر (الإنجاب، تربية الأطفال، أعمال عائلية تقتضيها ضرورة تحديد قوة العمل) بينما تكون قوة العمل للرجال موظفة في الإنتاج، وبما أن المرأة حرمت من المساهمة في تطوير القوى المنتجة، وجدت نفسها في عالم محكوم بقوانين الإنتاج السلعي خاضعة اقتصاديا لمنتج هو الرجل.
لقد تكرست هذه الوضعية خلال كل التاريخ السابق على الحضارة الرأسمالية، من خلال مختلف الإيديولوجيات القائمة على التمييز بين الجنسين.
إن التحكم في جسد الآخر عبر آلة الإنجاب والخوف من ولوجها العمل أديا مع مرور الوقت إلى التعامل مع ذلك كامتياز للرجل وللمجتمع الطبقي ومن اجل إعادة إنتاجهما، كان يجب الحفاظ على هذا المكسب ومراقبته عبر آليات متعددة ومختلفة. بينما احتفظ الرجال ومن خلال هذه العلاقة على احتكارهم لمجموع المعارف الاجتماعية الحاسمة واستعمال تقنيات العنف وعبر ذلك تم ترسيم الأشغال الحقيرة والأكثر قسوة للنساء.
إن هذه العلاقة الغير متكافئة ترسخت في الأذهان والأجساد عبر عادات وتمثلات ميثولوجية وثقافية ودينية وحتى فلسفية واستمرت في الوجود وتفاعلت مع كل مرحلة من مراحل أنماط الإنتاج الاقتصادية.
ولم يتم وضع  “السيطرة الذكورية” في قفص الاتهام إلا مع الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان، إذ نادى عدد من المثقفين المتنورين وبعض ساسة الثورة بضرورة تحرير المرأة وخروجها إلى ميدان العمل.
واتخذت صبغة واضحة في القرن التاسع عشر مع كتابات انجلز وماركس وبيل وغيرهم من القادة الاشتراكيين.
واذا كانت مطالب الحركة النسائية البرجوازية تتمثل في تمكين المرأة من حق الإنجاب وممارسة الأعمال الحرة والمساواة في الحقوق السياسية وتمكينها من فرصة التكوين مثلما يتكون الرجل.
فان سنة 1891 تعتبر منعرجا في تاريخ الحركة النسائية الاشتراكية (مؤتمر الأممية الثانية الذي أدرج في اللائحة بندا يطالب “حمل الأحزاب الاشتراكية” على فرض حقوق للمرأة تكون مطابقة لحقوق الرجل في المجالين المدني والسياسي.)
وفي مؤتمر سان بيترسبورغ سنة 1908 تدخلت مجموعة من العاملات ببرنامجهن الخاص وأقمن خط التباين بوضوح بين الانتخابات البرجوازية وحركة تحرير نساء الطبقة العاملة ولقد ظلت الحركة النسائية الاشتراكية في خطها العام مرتبطة بالنضال العام إلى جانب البروليتاريا، ولم تستطع أن توسع من افقها إلا بعد أن أفضت التجربة التاريخية الاشتراكية إلى تهميش المطالب الخاصة للنساء.
والى حدود سنة 1925 كانت فيه الماركسية ذات تأثير في تطور الحركة النسائية بحيث انبثقت في صلب الحركة النسائية “تيار نسائي ماركسي” يعارض الحركة النسائية البرجوازية.
إن الإشكالية التي ارتبطت بالحركة النسائية الاشتراكية في الماضي كانت، تنبني على الفصل بين النضال العام والنضال الخاص من تحرر المرأة.
لقد سيطر لعقود طويلة النضال من اجل التحرر العام وبناء الاشتراكية من خلال التأثير السياسي الواضح لماركس وانجلز ولينين. ذلك أن تحرير المرأة وتحقيقها لوضع الرجل مستحيلان وسيظلان مستحيلين ما بقيت المرأة مستثناة من العمل الاجتماعي المنتج، واقتصر عملها على الشغل المنزلي الخاص، ويكون تحرير المرأة قابلا للتحقيق ينبغي قبل كل شيء أن تشارك المرأة في الإنتاج على مستوى اجتماعي واسع، وان لا يشغلها العمل المنزلي عن ذلك إلا بنسبة ضئيلة لقد أصبح ذلك ممكنا مع الصناعة العصرية الكبرى التي لم تقبل بتشغيل النساء على نطاق واسع فحسب، وإنما كانت تدعو إليه لتجعل من العمل المنزلي الخاص صناعة عمومية أكثر فأكثر” انجلز.
“إن تحرير المرأة الحقيقي والشيوعية الحقة لا يبدءان إلا حين تندفع الجماهير إلى النضال بقيادة البروليتاريا صاحبة السلطة ضد الاقتصاد العائلي الصغير أو بالأحرى من اجل تحويله إلى اقتصاد اشتراكي كبير” لينين
أما كولنتاي فتقول من خلال سيرتها الذاتية: “حتى حين يقع تحقيق المساواة في الشغل والسياسة وأمام القانون، ستظل المرأة خاضعة لازدواج أخلاقي (أخلاقي من نوعين) يجعلها في مرتبة اقل من مرتبة الرجل، لذلك ينبغي للنساء أن يخضعن معركة خاصة بهن: معركة النساء.
إن المرأة الجديدة عند كولنتاي تتميز بإرادة النضال من اجل الحياة ومن اجل إثبات ذاتها، وضد الظروف الاقتصادية وضد الظروف الاقتصادية وضد القوانين المنظمة الأخلاقية الجنس وضد العبودية في الحب.”
إن الحركة النسائية الاشتراكية اليوم طورت شكلين من المطالب:
– يتعلق الأمر بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أسوة بالرجل.
– الحقوق الخاصة بالنساء وفي مقدمتها احترام استقلاليتها الخاصة والتحكم المستقل في كيانها (الإنجاب أو عدم الإنجاب، الزواج أو عدم الزواج، ونهاية الهيمنة الذكورية.)
2- مكتسبات الثورة البلشفية ومسلسل التراجعات
 عند إحياء الذكرى الثانية للثورة البلشفية،أعلن لينين،انه تم تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة، في العهد البلشفي البلد الوحيد الذي يطبق فيه الطلاق بشكل كامل ومضمون وبطلب من طرف واحد بدون شاهد أو حجة، والزواج مدني والحق في اختيار اسم العائلة (من الزوج أو الزوجة أو هما معا) كما حققت المرأة الحق في التصويت سنة 1918 وفي قانون الشغل ضمان الحق في عطلة الأمومة واجر متساوي في الوظائف وحول حماية النساء أثناء العمل، ثماني ساعات في الأسبوع و48 ساعة في الأسبوع وتم خلق التأمينات الاجتماعية وإلغاء معاقبة المثليين في القانون الجنائي وصفة رئيس العائلة من القانون المدني والحق في الإجهاض أصبح مضمونا في التشريع. وفي الدستور الأول تم الاعتراف بالأهمية الاجتماعية للعمل البيتي. كما تم تبني في برنامج الحزب لسنة 1919 اجتماعية العمل البيتي بتوفير المعدات الجماعية (مطاعم جماعية، روض للأطفال…).
خلال فترة الثلاثينات، حيث تم تحويل الاتحاد السوفياتي إلى مجتمع بيروقراطي مراقب من أعلى، فتم العودة إلى تجريم المثلية سنة 1934 والحق في الإجهاض تم إلغاؤه سنة 1936 إلا في حالة المرض أو خطر الموت، وفي سنة 1944 تم إلغاء بصفة نهائية الحق في الإجهاض وتم تقييد الحق في الطلاق.
ورغم تحقيق مكتسبات للمرأة في المجتمعات الاشتراكية سابقا، فان الأساس المادي للتقسيم الجنسي للعمل بين المرأة والرجل ظل في الجانب المتعلق بالعمل الإنجابي من اختصاص المرأة وليس من مسؤولية الدولة والمجتمع. ففي المادة 123 من قانون العمل في جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا تنص على مايلي: “يقع على عاتق المرأة في مجتمعنا العبء الأكبر من رعاية الطفل والعناية به في سنوات العمل الاولى. هذا التقسيم الاجتماعي للعمل بين المرأة والرجل يبدو لنا معقولا وطبيعيا. إن الوظيفة البيولوجية والاجتماعية للأمومة تقود في المجتمع الطبقي التناحري إلى الإجحاف بالمرأة. وفي المجتمع الاشتراكي وحده يمكن أن تحقق المرأة ظروف معيشية لا ينشأ فيها عن واجبات الأمومة أي إجحاف اجتماعي. فهناك إجراءات متعددة يتخذها مجتمعنا هدفها أن تسهل على النساء القيام بواجباتهن”.
إن الاشتراكية بهذا الفهم وهذا التطبيق، تعني بالنسبة للنساء الحفاظ على تقييدها ضمن إطار إعادة الإنتاج الخاص وباعتبار أن هذا “التقييد معقول وطبيعي” فان هذا التقسيم للعمل لن يفهم على انه اضطهاد اجتماعي جنساني بل يقوم على أساس بيولوجي (بناء على نظرية انجلز) من كتاب اورزولا شوي: اصل الفروق بين الجنسين.
 3- تطور الحركة النسائية الغربية وانعطافة مرحلة السبعينيات
بعد الموجة الأولى من الحركة النسائية التي برزت في أوروبا وأمريكا خلال الأربعينيات والخمسينيات والتي اتخذت لها كقاعدة خلفية: النضال من اجل المساواة في الحقوق المدنية والسياسية بين النساء والرجال،برزت الموجة الثانية،خلال فترة السبعينيات ة مكونة من النساء البيض من الطبقة المتوسطة مدافعة عن مطالب جميع النساء تحت شعار:النضال ضد اضطهاد المرأة تجسيد المساواة التامة بين المرأة والرجل.
لقد طرحت قضية اضطهاد المرأة،كعامل موحد لجميع النساء الدي يضمن الشروط والإمكانيات للتعبير عن هوية سياسية مشتركة.
إذن فالنساء يشكلن فئة اجتماعية منسجمة ومتضامنة من اجل النضال والسماح بإفراز الذات السياسية لمجموع الحركة النسائية والتعبير عنها تحت عبارة:”نحن النساء”
وبشكل سريع بادرت مجموعة من النساء السود قي أمريكا إلى طرح أسئلة عميقة حول التناقضات التي تخترق الحركة النسائية ذات اللون الأبيض،ومن خلال تشكيل منظمتهن النسوية: “النساء السود”،نددن بعبارة”نحن النساء” العامة و الفضفاضة التي تخفي ضمنيا أحكام قيمة ضد النساء السود، ذلك أن التيار النسوي ذي الأغلبية المكونة من اللون الأبيض ليست حركة لجميع النساء،لأنها ترفع من شان وجهة نظر الجنسانية ذات اللون الأبيض التي تقودها  وتهيمن عليها الطبقة المتوسطة وكرست عبر تجاربها وأساليب ونمط عيشها ،تحاليل أغفلت وتجاهلت أراء ومواقف معظم النساء الأخريات المغايرات لهن في أوضاعهن الاجتماعية وفي انتماءاتهن العرقية و الطبقية أيضا.كل ذلك انتهى بها إلى إعادة انتاج العنصرية الجنسانية والترابية الطبقية وأحكام قيمة-أثنية.
غيرت الحركة النسوية للسود بعمق هذه الوضعية بطرح الأشكال الأخرى للاضطهاد المرتبطة بالعرق وبالاثنية والجنس والقومية،لذلك فرهان أية حركة نسائية تحررية،يجب أن ينطلق من هدف مركزي هو النضال ضدا لاضطهاد العنصري الجنسي والطبقي بالارتكاز على نظرية تجعل من جميع الأنظمة الرئيسية للاضطهاد متمفصلة مع بعضها البعض.
هذا الطرح وضع بالملموس علاقات السلطة الداخلية في قلب الحركة النسائية،مركزة على استفادة النساء البيض من الاضطهاد العنصري.إن حركة نسائية ات طموح تحرري لن يكون لها مستقبلا آدا كانت تؤبد أشكالا مختلفة من الاضطهاد هدا النقد النسوي “للسود” إزاء الحركة النسائية الغربية المهيمنة ،باعتبارها حركة نسائية عنصرية واثني –مركزي،قد تم متابعته من قبل الحركة النسائية المنحدرة من العالم الثالث في سنوات الثمانينيات في سياق رؤية نسويه  ذات أفق سياسي لما بعد الاستعمار
لقد أبانت هذه الحركة عن محدودية التصور الكوني لعبارة”نساء” وعبارة”الاضطهاد الباطرياركي” المجردتين من سياقاتهما التاريخية والابستمولوجية التي طبعت الموجة الثانية من الحركة النسائية وقدمت بديلا يدمج أبعادا أخرى مرتبطة بالتجربة الاستعمارية كالعرق والطبقة والاثنية، من اجل الوصول إلى فهم متمفصل لكل هذه الأشكال التاريخية لاضطهاد النساء وإدراك سياقاته السوسيو-سياسية ونوعية. وبذلك استطاعت أن تضع النقط على الحروف حول الضرورة التاريخية للذهاب أبعد من تحليل الاضطهاد على أساس النوع،مفتوحة على شبكة من العلائق التي تتقاطع من خلالها مختلف أوضاع النوع مع الطبقة والعرق،أي سيرورة الكشف عن مختلف علاقات الهيمنة بما فيها تلك التي تمارس بين النساء أنفسهن.لهذا السبب احتجت الحركتان النسويتان السوداء ولما بعد الاستعمار على التمثيل السياسي لكل النساء من طرف الحركة النسوية البيضاء،وانتقدت هذه الأخيرة لأنها لا تضع في الحسبان اضطهاد مجموع النساء.
هذا النقد الذي تبلور في أمريكا وبريطانيا،كان له وقع كبير على الحركة النسوية الغربية.وهكذا ،منذ الثمانينيات أخد يتطور تفكير نظري حول موضوع تقاطع مختلف العلاقات الاجتماعية المؤسسة على الهيمنة،وبالنتيجة وضع قضية ثماتل النساء كهوية منسجمة في قلب النقاشات الانجلو- أمريكية.هذا النوع من التفكير أصبح شيئا فشيئا يخترق الحدود ويشمل بلدان أوروبا والعالم الثالث.أد تم تحقيق ما هو أساسي في الكشف عن الإشكالات المرتبطة  بالحركة النسوية السوداء والنسوية لما بعد الاستعمار والوعي بمختلف الانقسامات والتمايزات بين النساء وتنوع أنماط الخضوع وفي ذات الوقت الصعوبات الكامنة في النضال باسم عبارة”نساء متماثلة”.
4- العلاقة بين الحركة النسوية والماركسية
 كانت غالبية منظرات الحركات النسوية خلال السبعينيات وقسما من الثمانينيات تنظم تفكيرها حول سؤال وحيد وبسيط:لماذا النساء مضطهدات؟
إن الجواب حول هذا السؤال جعلت المنظرات الماركسيات ينقسمن إلى تيارين:التيار الأول متجدر في التقاليد الاشتراكية،و التيار الثاني برز مع اكتساح اليسار الجديد أوروبا وأمريكا خلال فترة السبعينيات،والذي أعاد التفكير في اضطهاد المرأة على أساس النوع.
وكلاهما كان يحاول الربط بين الرأسمالية والهيمنة الذكورية في إطار ما يسمى آنذاك”بجدل حول النظام الأبوي”، فكانت الخلافات النظرية التي ظهرت جد معقدة.
فالتيار الأول اعتبر تبعية المرأة هي ناتجة عن الرأسمالية،بينما التيار الثاني اعتبرها نتيجة الأبوية، أو شكل آخر للهيمنة الذكورية التنظيمية،وكانت النظريات تستند إلى الماركسية ولكن بطريقة مختلفة.
فأنصار النسوية الاشتراكية أو تيار “الصراع الطبقي”سعوا إلى إسناد التبعية النسوية إلى الرأسمالية وحاولوا التدليل على ذلك من خلال الربط بين الوقائع والاقتصاد الرأسمالي وتم وصف النساء بالجيش الصناعي الاحتياطي(أيادي رخيصة للعمل) وقد استخدمته دائما الرأسمالية في ظروف الأزمة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية،إذ كان توظيف النساء لان عملهن ارخص من عمل الرجل.
أما أنصار الحركة النسوية المادية فقد أرجعت سيرورات الإنتاج في المجتمع الحديث إلى علاقات رأسمالية وأبوية على حد سواء.فبداية تختلف حالة النساء في سوق العمل عن الرجال،أد أنهن ينلن أجرا اقل ويتمركز في عدد محدود من الوظائف الاكتر محدودية وبطريقة اكثر عشوائية من الرجال وغالبا بدوام نصفي ومهما يكن هذا العمل تنتج النساء بالاضافة إلى ذلك عملا منزليا من دون اجر خارج روابط الإنتاج الرأسمالية.
واستند هذا الجدل إلى مسلمة إن الرأسمال كان يحتاج إلى يد عاملة متجددة باستمرار.كان ماركس قد لفت الانتباه إلى انه يتم استخدام رواتب العمال لاعادة انتاج قوة العمل وتلبية حاجات الأطفال عمال المستقبل حتى انه لم يأخذ بعين الاعتبار العمل المنزلي الذي يتضمن تحضير الطعام وغسل القمصان، هذه المهام الضرورية للعامل كي يتمكن من مواجهة يوم عمل جديد.
قادت كل من كوستا دالا وجامس من ايطاليا حملة”من اجل نيل أجر لقاء العمل المنزلي” دعمتا فكرة أن العمل المنزلي هو منتج ومصدر ربح مخفي للرأسمالية.ويعتبر العمل المنتج من حيث الماركسية هو الذي ينتج فائض القيمة.اعترضت غالبية أنصار الحركة النسوية المركسية على هذا التفسير ورفضت توسع معنى مصطلح”العمل المنتج” الذي كان يمثل عملا لا ينتج فائض القيمة.
أما المنظرة الفرنسية كريستين ديلفي فقد وجدت خصوصيات العمل المنزلي أصلها في العلاقات الاجتماعية التي تتم فيها .وهذه العلاقات هي علاقات أبوية،فالرجال يستغلون عمل المرأة في العائلات،بطريقة منهجية ويستفيدون منه في إطار نمط الإنتاج المنزلي.وتصل إلى خلاصة انه في نمط الإنتاج المنزلي يشكل النساء طبقة مستغلة.
شكك البعض في حقيقة إمكانية تعايش نمطين من الإنتاج ضمن المجتمع ذاته لأنهم يرون في ذلك تعارضا مع الماركسية.
نتيجة هذا الجدل طورت الباحثة والمناضلة النسوية الأمريكية:والبي ،أطروحة النظام الثنائي: يوجدا لنظام
الأبوي والرأسمالية في علاقة ديناميكية الواحدة مع الأخرى. وبالرغم من أنها ارتبطت بوجه الخصوص بالأسس المادية والاقتصادية للنظام الأبوي كي تشرح المراقبة التي يمارسها الرجال على عمل النساء في المنزل وفي مكان العمل،لم ترسخها حصرا في هذين المجالين،فقد أشارت بدلا من ذلك إلى أن النظام الأبوي متمو قع في ست بنى مستقلة نسبيا: الإنتاج المنزلي،العمل المأجور،الثقافة،الجنسانية والعنف ألذكوري والدولة، وتحولت جميع تلك البنى على مر التاريخ وتنوعت الأهمية النسبية لكل منها من عصر إلى آخر.
كان النظام الأبوي في القرن التسع عشر مرسخا في الدائرة الخاصة بالإنتاج المنزلي،بيد أن دوائر العمل العامة والدولة هي الآن بنى النظام الأبوي المهيمنة.
وبخصوص جنسا نية عمل النساء ،في قطاع الخدمات أتاحت أبحاث التجريبية التي قامت بها ادكنز في الفنادق وحدائق الترفيه،إظهار أن جنسا نية عمل المرأة ووظيفة تمثيلهن ومجموعة القوانين المحددة المتعلقة بلباسهن وبفكرة أن التحرش الجنسي من قبل الزبائن”هو جزء من العمل” لاتزال موجودة بطرقة غير مهمشة، وكان هذا التغاير الجنسي مسجلا ضمنيا في تقسيم العمل على أساس الجنس:الوجه الخفي ل”تحديد المواصفات المطلوبة” لبعض الوظائف وكان يحصل بشكل مباشر في ممارسات التوظيف و تطبيق التنظيمات في مكان العمل.كذلك أكدت اكنز أن الجنسانية تؤدي دورا اكثر أهمية من الدور المعروف عادة في تركيبة أسواق العمل حسب الجنس .
5- نقد مسلمة انجلز
كشفت الانثربولوجية الحديثة عددا من الأخطاء في مسلمة انجلز:”كن مستعبدات عن العمل المنتج دائما وبان عملهن يقتصر على تربية الأطفال وانطلقت من مبدأ أنه كان يوجد تقسيم عمل “طبيعي”بين الجنسين واقترح أنجلز” بمجرد أن يصبح الرجال ملاكين لممتلكاتهم فإنهم يرغبون في نقلها إلى أولادهم،لوضع “حد لحقوق الأمهات” وبمقتضى ذلك وجود رغبة فطرية عند الرجال بنقل أملاكهم لذريتهم البيولوجية وإعادة العلاقات الاجتماعية للإرسال الأبوي إلى الحاجة”الطبيعية” التي يحسون بها وتضمن استمراريتهم الوراثية.
ومهما كانت المبادئ التي تستند عليها القرابة والذرية فهي تضمن دائما استمرارية اجتماعية بدلا من وراثية، ذلك أن أحد المتطلبات الأساسية للمادية إذن هو البحت عن كيف تتحول الحاجات الإنسانية المعطاة(الطعام والإنجاب) عبر العلاقات الاجتماعية.
في نظر أنجلز يتم إرجاع إنجاب علاقات الطبقات إلى علم الأحياء.بناءا على ذلك لا تصمد الحجة،التي كثيرا ما تطرح في هذا المجال، بأن المرأة-بحكم إمكانياتها البيولوجية لإنجاب الأطفال- لا تستطيع أبدا أن تساهم بقدر الرجل في الإنتاج.ذلك لأنه وراء هذه الحجة يقبع تصور بان العلاقات كانت دائما موجودة في نفس الشكل الذي تظهر أمامنا الآن .إن ذلك لا يؤخذ بالحسبان إن النساء في المجتمعات المتريركية قد عرفن وسائل منع الحمل وطرق الإجهاض.فالقدرة على الإنجاب كان بإمكانهن استخدامها بشكل عقلاني،دون إن يخرجن لهذا السبب من عملية الإنتاج الاجتماعي.إذن فالسيادة مرتبطة بوظيفة مهيمنة في عملية الإنتاج الاجتماعي وإعادة انتاج الحياة المادية.وهكذا تقرر وظيفة جنس من الجنسين ضمن إطار علاقات الإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي هيمنة هذا الجنس وخضوعه في الحياة الاجتماعية .ولا يستطيع أحد الجنسين،او أية منظمة اجتماعية،أن يهيمن إلا آدا امتلك حقوق التصرف بوسائل الإنتاج ومنتجات العمل.ذلك لان”التحكم بالوارد إلى وسائل الإنتاج ومنتجات العمل ذو أهمية حاسمة، وهذا التحكم يفي في الوقت نفسه نفوذا اجتماعيا وسلطة جزائية، إذن علاقات سياسية.فلعلاقات الإنتاج الكلمة الأخيرة في هيمنة هذه الهيئة أو تلك، وبالتحديد هذا هو سبب سيادة النساء في مختلف المجتمعات المتريركية،سبب “سلطتها الحقيقية”.
توجد حاليا عدة أبحاث علمية (فيرتنغ:دولة النساء-دولة الرجال) تشير إلى أن المتريركيات، التي ظهرت للوجود، لم تكن بأي حال، كما ظن انجلز وبيبل، مجرد مجتمعات حق الوراثة فيها أمومي أو السيطرة فيها للنساء في البيت.إن أبحاثا مستجدة ، وأخرى عاصر بعضها انجلز واستشهد بها بيبل –دون أن يأخذ بنتائجها- برهنت على أنه توجد متريركيات،أي” سيادة النساء” ليس فيما تسمى مجتمعات بدائية فحسب، بل في مختلف مراحل التطور الاجتماعي للبشرية، وقد وجدت سيادة النساء أيضا في دول عالية التطور(في مرحلة”الحضارة” مع كل اللزوميات التي ذكرها انجلز) في مصروفي المنطقة التي تقع عليها تركيا حاليا وفي اليونان وغيرها، هذه المجتمعات المتريركية كانت،تبعا للأبحاث المذكورة أعلاه،تتميز بسيادة النساء على الرجال وبتدني منزلة الرجال واضطهادهم،وبمعاكسة مطلقة لتقسيم العمل بين الجنسين.هنا أيضا وجدت ،بناء على تقسيم العمل الجنساني،فروق مميزة للجنسين.إنما معكوسة تماما.وهذا يعني:كانت النساء تمتلك الخصائص والقدرات التي يملكها الرجال الآن.لقد وجدت هذه المتريركيات في مجتمعات متطورة،فيها ملكية خاصة وتقسيم متطور نسبيا للعمل الاجتماعي وتجارة وطبقات وعبيد ومؤسسات حكومية.
وتثبت أبحاث مارغريت ميد منذ سنة 1928.عن قبائل غينيا الجديدة ،انه توجداشكال اجتماعية لاوجود فيها للفروق بين الجنسين،كما نعرفه اليوم او كما قامت عليه نظرية أنجلز في التقسيم”النظري” للعمل.وأكدت مي دان النساء لدى هذه العشائر لا يتفوق عليهن الرجال،لا في ضخامة الجسم ولافي قوته،وإنهن كن يقمن بنشاطات تعتبر لدينا رجالية خالصة(كما على سبيل المثال الحرث وصيد الأسماك) كذلك لم يعد من الممكن التمسك برأي انجلز حول التعاقب المنظم للمتريركية والبطريركية،ولا التمسك بافتراض أن المجتمع ألبطريركي يمثل درجة تطور اعلي من المتريركية في تاريخ البشرية(انظر بهذا الخصوص ميفرلد1972وغودليه1973وشتيفان1975) بل إن نتائج الأبحاث تشير إلى انه وجدت في مجرى التاريخ البشري تناوبات متكررة بين المتريركية والبطريركية و المجتمعات المساواتية.
جميع هذه النتائج المستجدة تدفعنا إلى الاستنتاج،بان الفروق الحالية بين النساء والرجال لا تستند الى فروق طبيعية بين الجنسين،بل الأصح أنها تعبير عن تقسيم نوعي للعمل حسب التبعية لأحد الجنسين.وهذا التقسيم للعمل ذاته نتيجة لعملية التطور التاريخية.
قدمت ماري أوبريان(1981) الباحثة الأمريكية،شرحا اكثر تعقيدا للتطور التاريخي لعلاقات الإنجاب،وفقا لها يتوجب لأنصار الحركة النسوية وجود نظرية للإنجاب والهيمنة الذكورية،مشابهة للتحليل الذي قام به ماركس للإنتاج و هيمنة الطبقة(التي قبلت بها كشرح جزئي للتاريخ الإنساني) بنت أوبريان مفهوما حول الإنجاب ضمت فيه العمليات البيولوجية لمفهوم الحمل ومدته وللتربية وكذلك العلاقات الاجتماعية التي تستخدم أثناء تربية الأطفال وجعلت من الإنجاب الأداة الشرعية للتحليل المادي ،شرحت قائلة:”إن الاهتمام بالإنجاب لا يخضع للجوهرية في شرح الإنتاج كما فعل الماركسيون، يصدر الإنتاج والإنجاب كلاهما عن الحاجات الإنسانية الأساسية:الأكل و الإنجاب والبقاء على قيد الحياة على شكل فرد ونوع. والحقيقة أنها لدى تلبية هذه الحاجيات الإنسانية الأساسية، يتم خلق علاقات اجتماعية وتلك العلاقات هي التي تشكل الظروف التي ننتج فيها ونتكاثر والتي تدخل هذه النشاطات في نطاق الضمير الإنساني والتي أنتجت تاريخيا عدم الكفاءات البنيوية للطبقات و الأجناس.
اقترحت أوبريان آليات التحول الاجتماعي في نطاق الإنجاب وطرحت كمسلمة اضطرابين تاريخيين كبيرين:اكتشاف القرابة البيولوجية والتطورات التقنية للتحكم في الخصوبة، وكانت تلك الأخيرة احد الرهانات الكبرى لنضال أنصار الحركة النسوية وما زال يحسب لأثرها حساب.وان عملية اكتشاف القرابة بالنسبة إليها قد أعلنت عن بدايات النظام الأبوي. وشملت هذه المعرفة  الرجال ضمن عملية الإنجاب واستبعدتهم عنها في ذات الوقت وتنبه الرجال إلى استلابهم بالنسبة إلى دربتهم الخاصة واستحالة المرور بتجربة الشعور بالاستمرارية الوراثية.ولإنشاء مكانة لهم في تعاقب الأجيال،كان عليهم تملك ثمار عمل إنجاب النساء والتعاون مع رجال آخرين للحفاظ على الحقوق الفردية .كذلك قدمت أوبريان ما كانت تفتقر إليه التحليلات التي ألهمت انجلز:شرح سبب رغبة الرجال في نقل أملاكهم إلى ذريتهم البيولوجية.
6- نقد أطروحة ماركس حول حقل إعادة الإنتاج
  في إطار تطويرها لمفاهيم المادية التاريخية، وردا على منتقديها من الماركسيين الاشتراكيين،تعتبر كريستين دلفي :”أن المادية كمنهج هي أوسع من منهج تحليل النظام الرأسمالي كنظام خاص للاستغلال، وكون التحليل الوارد في كتاب “الرأسمال” يتناول بدقة علاقة التناقض بين العمل والرأسمال،من خلال الإنتاج الاجتماعي، فان علاقة ثانية خارجية لا تستند الى نفس المفاهيم، وهي قائمة على الاضطهاد، كالاضطهاد الجنسي للمرأة،يتطلب تحليلا مغايرا، ومن هنا ضرورة استعمال المفاهيم المادية في تحليل الاضطهاد النسائي برغم عدم اعتراف الماركسية بالتقسيم الجنسي في تحليل “الرأسمال”.
عدم الاعتراف هذا، يطرح مشكلا بالنسبة لنمط الإنتاج الرأسمالي،لكونه يطرح التعارض الجدري بين الرأسماليين والأجراء،فيما يساوي على هذه القاعدة العلاقة بين الرجال والنساء،وهذا يؤكد إن تحليل الرأسمالية هو مختلف عن التقسيم الجنسي للعمل.
في هذا المنحى المادي سيكون من المفيد إضافة التحليل المادي للاضطهاد المرأة الى تحليل اضطهاد العمال كم حلله ماركس،فالتحليل الأول قد يعدل من الثاني،والنسوية تعدل بالضرورة الماركسية على اكثر من صعيد: – لأنه يتعذر قبول اختزال الماركسية قي تحليل أحادي للرأسمال,
  -لأن الصراع الطبقي في المجتمع بين العمال والرأسماليين ليس هو الصراع الوحيد،هذه العلاقة التناحرية لا يمكنها أن تصبح الدينامية الوحيدة في المجتمع,
-لأنه يعدل أيضا تحليل الرأسمال من الداخل
إن عدم الاعتراف بالباطريركا او التقسيم الجنسي للعمل لم يكن منظرا له في تحليل”الرأسمال” وكان في ذات الوقت يخص “العمال الذكور” ولم يكن بخص”النساء العاملات” فقد كان هذا التحليل غائبا، بينما العمل المنزلي واستغلاله تم التعامل معه كمكسب.ليس فقط اختزال الماركسية في تحليل الرأسمال لكن مضمون هدا التحليل جعل من غير الممكن أخد بعين الاعتبار اضطهاد المرأة.إن تمديد مبادئ الماركسية المادية الى تحليل اضطهاد المرأة وإعادة النظر في الرأسمال على قاعدة التحليل النسوي،هما الهدفين المتوخى تدقيقهما في كل توجه ماركسي نسوي.
إن تحليل تربية الأطفال ووضعية النساء بالعلاقة مع إعادة انتاج النوع تقود الى تحليل ادوار النساء في حقل إعادة الإنتاج لقوة العمل وموازين القوى وعلاقات الإنتاج الرأسمالية بصفة عامة.
إن الدمج بين إعادة الإنتاج البيولوجية وإعادة الإنتاج لقوة العمل والإنتاج الاجتماعي بصفة عامة هي ليست “نسوية بل اثنو-لوجية.
إن تملك عمل المرأة من خلال تربية الأطفال مجانا يحول النساء الى أمهات، بينما الأمومة بعيدة كل البعد عن واقع طبيعي،تمنح الولادة لتستغل،إنها تأسيس او تكوين مجتمعي مخلوق من خلال الاستغلال.
أما الماركسية الايطالية سلفيا فدرسي التي خبرت النضال العمالي في إطار تجربة اليسار الجديد في ايطاليا خلال فترة السبعينيات، فقد تناولت في أبحاثها جذور الرأسمالية الأبوية او البطريركية
معتبرة أن: “العمل المنزلي ومجموع الأعمال المعقدة التي من خلالها بتم إعادة انتاج الحياة،تشكل في الواقع عملا أساسيا في التنظيم الرأسمالي للإنتاج .هذا لا ينتج فقط تحضير وجبات الأكل وتنظيف الثياب وتربية الأطفال،ولكن هذا يعيد بشكل أساسي انتاج قوة العمل بالضبط يعتبر هذا العمل أكثر إنتاجية ومر دودية في قلب الرأسمالية، إذ يستحيل وجود شكل من الإنتاج بدون هذا العمل.
في كتابها الأخير الذي ترجم مؤخرا من الانجليزية الى الفرنسية، تحت عنوان:”كليبان والساحرة” حاولت تحليل للعمل المنزلي، نظريا وتاريخيا، من وجهة نظرها “لم يعر ماركس اهتمامه-،عندما تناول بالتحليل العوامل التي كانت وراء التراكم الرأسمالي البدائي- للتاريخ الخاص باصطياد الساحرات، جرت حرب شرسة ضدهن، اعتقلن، عذبن ثم أحرقن في الساحات العمومية .ماركس لم يعالج نهائيا دور التشريعات ضد منع الحمل ومراقبة إعادة الإنتاج “البيولوجية” ولا التشريعات التي ظهرت نموذج جديد للعائلة، شكل جديد للعلاقات الاجتماعية الجنسية.هذه القواعد وضعت جسد النساء تحت مقصلة الدولة، فالذي تولد عن تطور الرأسمالية فرض سياسة أصبحت قائمة حول جسد النساء والإنجاب كخصائص نوعية للرأسمالية، حولت جسد النساء الى آلات لإنتاج العمال. هذا ما يفسر القوانين التي وضعت من اجل الحكم على النساء بالإعدام في حالة قيامتها بالإجهاض .تظهر الدولة كدولة في حرب ضد النساء، لتحطيم قوتها واختزالها في وضعية أجيرات مستعبدات غير مؤدى أجورهن.
حاولت أيضا من خلال هذا الكتاب إبراز أن ا لعمل المنزلي ليس إرثا ماضيا، حيث يتعلق الأمر بالقرون السابقة عن ولادة الرأسمالية، بل هو عمل نوعي تم صهره بالرأسمالية في إطار علاقات اجتماعية ،أي في إطار شكل جديد من النشاط .لقد وضعت الأصبع على القرن السابع عشر،حيث تم إقصاء النساء من جميع الأعمال التي كانت خارج البيت.في الشرق الأوسط تم إلغاء”ليكو يلد” التي تعني منظمات شبيهة بالمنظمات النقابية الحديثة، وبشكل سريع أصبحن لا يمتهن سوى المهن المرتبطة بالعمل البيتي: ممرضات-مربيات-أعمال الطهي والنظافة- مبيضات-،هكذا بدأت ترتسم أمام أعيننا التشكيلة الأكثر ملموسة، تحت أشكال تاريخية جد دقيقة طيلة قرون التراكم الرأسمالي البدائي أي قرون السابع عشر والثامن عشر والتسع عشر،لشكل جديد للمرأة العملة التي لوحظت أكثر فأكثر متخفية.
بالفعل هذا الشكل من بروز العاملة، هو جزء مرتبط بسلسلة المونتاج التي أنتجت قوة العمل.
ماركس استحضر حقل إعادة الإنتاج لكنه حصره في حدود الإنتاج الاجتماعي ألبضائعي”، فإعادة قوة العمل تتطلب من أجل إنتاجها نفس الشروط التي تنتج أية سلعة،حيث تقاس بقيمة نقدية والتي تمثل كمية من العمل الاجتماعي المحقق فيها” .إن إعادة قوة العمل تقوم على أساس الأجر الذي يخول للعامل من شراء الغداء والملبس واستهلاك بضائع أخرى وهكذا يعيد نفسه ،حيث لا يوجد أثر لعمل آخر في المنتوج من خلال التشخيص المقدم من طرف ماركس .
في نفس السياق تفسر الباحثة هذا الإهمال لأسباب نظرية وتاريخية، بالقول:”يمكن إرجاع ذلك الى صعوبات التصنيف لشكل العمل الهارب من القياس الكمي لمدة العمل ولتثمينه نقدا لم تشجع ماركس لبلورة هذه المسألة. وبالعودة الى لحظات كتابة ماركس لكتاب “الرأسمال، أي في فترة ازدهار الإنتاج الصناعي ،الذي ضمن ولوج  أفواجا كبيرة من النساء للعمل وخاصة النساء الشابات. في هذه الفترة كان عمل إعادة الإنتاج جد ضيق، ففي سنة 1870 اختزل هذا العمل الى الحد الأدنى بسبب الجهد “اللامحدود ليوم العمل” وبتكثيف الاستغلال الى حده الأقصى لخفض تكلفة انتاج اليد العاملة (انظر:فصل يوم العمل في كتاب “الرأسمال” وانظر أيضا الى كتاب أنجلز حول وضعية الطبقة العملة في انجلترا) يتحدث أنجلز في هذا الكتاب على أن معدل العمر لدى العاملات هو20 سنة .
إذن  منذ ظهور الرأسمالية ، برز عمل إعادة الإنتاج مساهما في التراكم الرأسمالي. ومنذ المرحلة المركنتيلية حتى نهاية القرن التسع عشر أصبح العمل المنزلي يلعب دورا محركا في إعادة انتاج اليد العاملة المنظمة من قبل الرأسمال.وبذلك أصبح انتاج فائض القيمة يتم من خلال مجموع الأنشطة التي يقوم بها العامل المأجور،تعاد إنتاجها وتشكل جزءا مندمجا في هذه السلسلة من المونتاج الاجتماعي:إنها لحظة سيرورة اجتماعية التي تحدد فائض القيمة،بالطبع لا يمكن إقامة علاقة مباشرة بين ما يجري في الطبخ والقيمة التي تنتجه من خلال نموذج بيع السيارة أو منتوج آخر، ولكن نحكم على السياق الاجتماعي لإنتاج القيمة.ويمكن القول أنه يوجد مصنع اجتماعي  الذي هو أبعد بكثير من المصنع.
وانطلاقا من هذه القناعة قادت الحملة العالمية في كل من أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية،تحت شعار :”الحملة من أجل أجر للعمل المنزلي”،ذلك أن العنصر المحدد في هذه الحملة،تشرح سلفيا،ومتضمن في قوة توحيد النساء،انه يسمح في المقام الأول بإعادة انتاج الثروات وتوزيعها،ويمنح النساء سلطات تضع تبعيتهن للرجال في الميزان وبالتالي تغيير العلاقة بين النساء والرجال،ولكن أيضا أهمية هذه الحملة تنبع من سلطة التجميع عن طريق شعار محدد.هناك أقلية من النساء اللائي هن”رجال” في مختلف فضاءات الحياة العملية يراقبن الرأسمال وهن رأسماليات،بينما الأغلبية تجسد العمل البيتي الغير معترف به في الغالب تابعيات للرجال سواء داخل البيت أو خارجه.
إن تدبيرا لعمل المنزلي هو من اختصاص الدولة التي تعتبر المنظم الجماعي للرأسماليين، كما يجب أن نفهم أن أجر العمل البيتي،ليس أجرا بالنسبة للنساء في البيت،وليس أجرا للنساء.هذا المطلب يجب أن يكون أداة لمنع التمييز بخصوص العمل المنزلي. يمكن التفكير في عدة أشكال للاعتراف بالعمل المنزلي كتحديد أجر للمساعدة في اقتناء سكن أو توفير خدمات عمومية لتربية الأطفال ودراستهم للتحرر من الوقت والبحت عن عمل.
استكمالا لحلقات هذا النقاش النظري،نظيف إليه مساهمة الفيلسوف الفرنسي الماركسي(جاك بيده)،الذي كتب دراسة معمقة،حول العلاقة التي تربط بين الجنس والعرق و الطبقة،في المجلة التي يديرها(ماركس الراهن عدد  46 السنة 2009   ) ،حيث اعتبر أن هذه العلاقة تكتسي طابعا مختلفا،فبعيدا عن التدابير المتعلقة بالمراحل الأولى،فان الإنتاج الرأسمالي يميل الى الارتكاز على السياق المنزلي وتحقيق ذلك تحت شكل بضائع في قلب المؤسسة،فالنساء كرست للأعمال المنزلية،بينما الرجال ( ومعهم الفتيان والفتيات) تم “تهيئتهم” ليكونوا أكثر جاهزية،كقوات للعمل من خلال كدح النساء المجاني.انطلاقا من ذلك بتم الاعتراف بكفاءة الرجال اجتماعيا وثقافيا  من خلال واقع أنهم”يتبادلون” أنفسهم مثل السلع، من خلال القيمة التي تظهر في الأجر.إن عدم التثمين الملازم للوضع الاجتماعي للنساء،يوضح أية مكانة سيصلنها  في حالة ولوجهن  النظام الاقتصادي الحديث عن طريق الإجارة.
تندمج هكذا العلاقات الاجتماعية الجنسية في العلاقات الطبقية تحت شكل عدم الاعتراف بكفاءة العمل المنزلي :تم انتزاع قيمة قوة العمل اجتماعيا المتوافقة مع السوق الرأسمالية،إن كدح النساء يوجد تحت عبارة القيم الاستعمالية،المحال الى وضع ،لنشاط طبيعي.هذه الوضعية “الطبيعية” التي تريد أن تكون دائما تعبيرا عن احتقار إزاء العمل المنزلي الغير مأجور،يطبع الوضع المتخصص للنساء في مجموع الحياة الاجتماعية ،من الإنتاج الى السياسة.إن الحداثة السياسية خلقت وبنت الجنس مثلما فعلت مع “العرق” من أجل حكم النظام الرأسمالي للعائلة المعاصرة.
النسوية المادية ذهبت بعيدا في التحليل ،حين اعتبرت أن الرأسمالية، تضم في ذات الوقت العلاقة بين الطبقات والعلاقة  الاجتماعية للجنس بين الرجال والنساء. في هذا الإطار يتم إعادة إنتاجه بنيويا،مدمجا شروطه القانونية والسياسية والتفافية والاديولوجية،بهذا يتقارب مع العلاقات الطبقية ،ليس خارجا عنها بل جزءا منها،يتمايز من حيث ميكانيزماته في تاريخيته ومن خصائصه الممتدة.لهذا السبب فهو علاقة اجتماعية نوعية. لكنه لا يكون في نوعيته الحديثة، إن لم يندمج في العلاقات الطبقية (عبر عاملي الطبقات والتنظيم). إن الرجال والنساء ،لا يشكلان طبقتين،غير أن علاقتهما الاجتماعية تتحقق في العلاقات الطبقية كما تميل الى انفلاق الرجال والنساء حسب”العلاقة الحديثة للطبقات” بالمعنى الذي تجعل من هذه الأخيرة قطبين مزدوجين:منظما تراتبيا، حسب تراتبية،جنسيا محددة ( أدوار ووظائف).هذا الوضع للتنظيم هو أيضا يحدد الأوضاع المختلفة لسوق قوات العمل.في هذا السياق يمكن اعتبار العلاقات الاجتماعية للطبقات وللجنس موحدة في الجوهر.
تقرأ العلاقة بين الجنس و”العرق” على ضوء أنماط تملك الأجساد والقادمين في إطار الرسالة الحضارية للاستعمار،والبناءات والاديولوجية المرافقة لها.إن الهجرة المعاصرة أغلبيتها نساء وتشغل في الوظائف العاطفية الأقل شأنا،بدون احتساب اللأي يشغلن “العمل الجنسي” هو مثال يكمل الوحدة الجوهرية للعلاقات الاجتماعية الثلاثية الأولية- البنية /النظام/النوع- للشكل الحديث للمجتمع.في قلب هذه العلاقات الثلاثية للطبقة و”العرق” والجنس المحددة تظافريا لجميع التناقضات داخل الطبقات الأساسية(الطبقات الشعبية)،تختبئ القوة المؤثرة وموقد الطاقة النقدية واليتوبيا المعاصرة للطبقات الأساسية.
إن الفيلق الاجتماعي الأكثر عمقا في قلب المجتمعات الغربية يرتبط بعلاقة حميمية بين مختلف تناقضات”البنية”و”النظام”و”النوع”،لذلك ،فالصراعات اللغوية والثقافية والدينية( التي من بين أشياء أخرى،معاملة العائلة،مقاومة”العرق)  لا ينبغي النظر إليها كعودة للمسألة الاثنية، ولكن كآثار راهنة ،للنوع،والعرق والنظام العالمي في قلب بنية الطبقات،التي تحلل من خلال البنية الاجتماعية للإنتاج السلعي المنظم رأسماليا. من أجل كل ذلك فحزب التحرر من علاقات السيطرة لا يمكنه أن يتحدد إلا على ضوء مواجهة وتجاوز التناقضات المتراكمة  للطبقة ،للعرق والجنس.
7- مكتسبات الحركة النسائية الغربية ومسلسل التراجعات في ظل العولمة الرأسمالية
 رغم التباين الحاصل بين مختلف التيارات النسوية الغربية ( الليبرالية والاشتراكية والمادية النسوية) فقد حققت مجتمعة خلال عقود من النضال ضد الهيمنة الذكورية جملة من المكاسب،أهمها،المساواة القانونية في الدساتير والقوانين المدنية،الاعتراف بالنضال ضد جميع أشكال التمييز ضد المرأة،الحق في تقرير مصير الأولاد(الولادة أو عدم الولادة)،الولوج إلى التعليم وخاصة التعليم العالي والى المهن التي كانت محتكرة من طرف الرجال كالطب والهندسة والعلوم الحقة،الحق في التصويت والمشاركة السياسية،الحق في الإجهاض بالنسبة لبعض البلدان.
كما جسدت عبر حملاتها الدعائية والنضالية تأثيرا سياسيا قويا على المنظمات النقابية والسياسية ومعظم المنظمات الاجتماعية،بل فرضت على الحكومات بمختلق ألوانها السياسية وعلى المنظمات الدولية أهليتها السياسية ومشروعية طرح قضاياها الراهنة والتفاوض بندية حول مطالبها الاجتماعية والقانونية والسياسية.
وبسبب السياسات النيوليبرالية،فقد تراجع الوضع عما كان عليه في العقود السابقة،هده السياسات المرتكزة على الهشاشة والمرونة في ميدان الشغل وضرب المكتسبات الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والسكن والنقل والتأمين والسكن نتيجة الخوصصة،مما أدى إلى تزايد نسبة تأنيت الفقر والتمييز في الأجور،وارتفاع نسبة العنف ضد النساء فأغلب البلدان(في كندا مثلا تتعرض امرأة واحدة من ضمن أربعة نساء للاغتصاب في حياتها) ونصف هده الاغتصاب من نصيب فتيات اقل من16سنة، بالإضافة إلى العودة إلى أساليب تصوير المرأة كأداة للتسليع الجنسي وانتشار ظاهرة البيدوفيل والبرنوغرافيا، وامتهان الخبرة فيما يخص قضايا النساء قي إطار السياسات النسائية المرتبطة بالاتفاقيات الحكومية وارتشاء النخب النسائية في العالم الثالث وتحريف نضالها من النضال ضد الرأسمالية و الامبريالية والصهيونية إلى فتح وكالات لإحصاء العنف الممارس ضد النساء والقيام بمبادرات اجتماعية إزاء الفئات المعوزة.
إضافة إلى مداخل المهاجرات التي تؤدي أقساط الديون الخارجية والتي تأتي بالعملة الصعبة وقد بلغ تأنيت الهجرة نسبة 48 في المائة في العالم. كما أصبحت البلدان الاشتراكية سابقا معملا لإنتاج الصناعة الجنسية المعولمة.
أصبحت النساء متأثرات اكثر من الرجال من   خلال العولمة والتي تعتمد على الباطريركا من اجل تكثيف الاستغلال و الحصول على المزيد من الإرباح،دلك أن العلاقات الاجتماعية الجنسية تشكل جزءا مندمجا في مأسسة الرأسمالية التي تعتمد على التقسيم الجنسي للعمل.
تؤدي اليوم اليد العملة النسوية دورين ,من خلال العمل المأجور الدي هو اقل من اجر الرجل ومن خلال العمل الغير مؤدى عنه أي العمل البيتي،وكلاهما يشكلان مصدرا ممتازا لتحصيل اكبر الإرباح بالنسبة للشركات والعمل المجاني للمجتمع في مجموعه وللرجال على الخصوص لأنهن مصدر لذة ومبضعات جنسيا.
وأمام تزايد ظاهرة تأنيث الفقر في العالم، فقد طرحت الأمم المتحدة إشكالية التنمية المستدامة وربطتها بالمساواة بين المرأة والرجل وهكذا انعقدت سنة 1995 الندوة الدولية في بكين حول النساء وفي سنة 1998 كرست الأمم المتحدة برنامج التنمية البشرية حيث أضافت مقياس التنمية المؤسس على النوع
الاجتماعي وتلتها الندوة الدولية حول الفقر سنة 2000
رغم هدا التحسن في المفاهيم وفي الخطاب السياسي العالمي حول المساواة بين المرأة والرجل، والنيولبرالية هي التي وظفت بشكل كبير خطابات التنمية وحقوق الإنسان،ولكن من خلال مرجعية السوق، وذلك بإخضاع القضايا الاجتماعية والسياسية المؤسسة على النوع ، لميكانيزمات اقتصاد السوق،بحجة أن حل المشاكل الاجتماعية تتطلب بالضرورة ولوج المرأة إلى مختلف الموارد التي من شانها توفير الدخل والقضاء على الفقر، كما سعت إلى توظيف شعارات الحركة النسائية لتبرير التدخلات الامبريالية والصهيونية والتمييز ضد المهجرين.
8-التقسيم الدولي الجديد للعمل وآثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أوضاع النساء في العالم
 منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، حاز الثالوث الامبريالي (أمريكا، اليابان، أوروبا) على سلطات اقتصادية وسياسية واسعة من جراء إعادته التقسيم الدولي للعمل على أسس جديدة، مستهدفا بالدرجة الاولى نهب الثروات المادية والطبيعية لبلدان العالم الثالث، والمراقبة والتحكم في إعادة إنتاجها باستمرار.
وقد تعمق هذا الاستقطاب العالمي الجديد مع انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا وسقوط جدار برلين. كما تزامن هذا التقسيم الجديد مع تعميم الثورة التكنولوجية في المعلوميات والاتصال، التي ساعدته في عملية إعادة إطلاق انتاج سلع جديدة من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، وبنقل بعض صناعاتها إلى بلدان العالم الثالث وخاصة في القطاعات التي تتميز بكثافة اليد العاملة، مثل المنسوجات والالكترونيات وتركيب السيارات، كما تزايد حجم مبادلاتها وإعادة تنظيم الإنتاج الصناعي الموجه نحو التصدير مع تشكيل مناطق التبادل الحر والمناطق الصناعية الحرة والمنظمة العالمية للتجارة.
إن توسيع العلاقات الرأسمالية يهدف إلى فصل المنتجين عن وسائل إعادة إنتاجهم وهذا يعني أن الاقتصاد الرأسمالي العالمي مبني على إعادة هيكلة رئيسية في الإنتاج الاجتماعي من خلال تعميق الشروخات العميقة وسط الطبقات الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم، فهذه الهيكلة تستهدف تدمير أي نشاط اقتصادي غير موجه نحو السوق بدءا من الزراعات المعاشية، والتي أدت إلى تشكيل بروليتاريا عالمية منزوعة من جميع وسائل إعادة إنتاجهم. هذا الوضع ساهم في إنشاءه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في كثير من دول إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ومنطقة الشرق الأوسط من خلال “ازمة الديون” المرتبطة ببرامج التكيف الهيكلي وسياسات التحرير الاقتصادي، بصفتها الدعامة الأساسية للنظام الاقتصادي الجديد.
وقد ترتب عن ذلك ازمة في الإنتاج الاجتماعي باعتبارها نتيجة مباشرة لتخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي وتخفيض قيمة العملة مرارا وتكرارا، وانسداد الأجور، وخوصصة الأراضي الزراعية، ومصادرة مستمرة للأراضي بسبب التسويق الزراعي والتجارة في المنتجات الزراعية ولوازمها وإضفاء الطابع المؤسسي على حالة الحرب المستوطنة.
وأدت الثورات والثورات المضادة والحروب الأهلية والقتل المتواصل خاصة في منطقة الشرق الأوسط إلى تحول شعوب بأكملها إلى لاجئين في العواصم الغربية، معرضين للمجاعة والعنصرية.
إن سياسات التكيف الهيكلي والتحرير الاقتصادي أديا إلى تفكيك النسيج الاقتصادي الصناعي المحلي في الكثير من دول العالم الثالث ووضع نهاية لخطط التنمية لسنوات الستينات والسبعينات. إن فتح الأسواق المحلية أمام الواردات الأجنبية للشركات المتعددة الجنسية أدى إلى إغراق السوق بمنتجاتها التي لا تستطيع الصناعة المحلية منافستها.
وكانت النتيجة الاولى من الإفقار هي بداية حركة الهجرة العظمى من “الجنوب” إلى “الشمال” التي أعقبت انتقال رؤوس  الأموال الناجمة عن دفع الديون الخارجية وهذا دليل واضح على التقسيم الدولي الجديد لطرق إعادة هيكلة العمل. كما هو دليل على أن ازمة الديون وسياسات التكيف الهيكلي والتحرير الاقتصادي وضعت حالة من الفصل العنصري العالمي، حيث حولوا العالم الثالث إلى خزان ضخم من العمالة التي تعمل في أعقاب تحولات الاقتصاد النيوليبرالي، بحيث أصبح استخدام المهاجرين كجيش احتياطي لتعقيد نضال ووحدة الطبقة العاملة وتقسيمها، تاركين دويهم يعيشون حياة الحرمان والبطالة، ونقص الغذاء والرعاية الصحية والمياه غير النظيفة والكهرباء والمدارس والطرق والبطالة الجماعية. هي الآن واقع يومي يضرب بجذوره في معظم دول العالم الثالث وينعكس هذا الوضع في اندلاع مستمر للحروب الأهلية وانتشارا لأوبئة وتفكك الحياة الأسرية والأطفال الذين يعيشون في الشوارع أو يعملون في ظروف قريبة من العبودية.
إن أهم سلعة تصدرها بلدان العالم الثالث إلى العالم الأول هي قوة العمل وهذا يعني أن جزءا كبيرا من العمل الإنجابي اللازم لإنتاج قوة العمل تأتي من نساء العالم الثالث، فالهجرة تخلق كمية ضخمة من العمل المنزلي.
هذا هو العمل الذي لا يؤخذ بعين الاعتبار في تقييم الديون الخارجية لبلدان العالم الثالث، إن عملية التراكم في البلدان الصناعية حيث يتم استخدام الهجرة لتعويض الانخفاض السكاني وللحفاظ على انخفاض الأجور، ونقل الفائض من المستوطنات عن طريق الهجرة وبالتالي فالنساء في العالم الثالث يساهمن بشكل مباشر في تراكم الثروة في البلدان الرأسمالية “المتقدمة” وليس فقط كمنتجين للسلع ولكن أيضا من اجل إعادة انتاج قوة العمل للمصانع والمستشفيات والزراعة والتجارة وهذا ما ينبغي حقيقة إدراكه من قبل الحركة النسائية الدولية لكشف ما يعنيه حقا “الاندماج في الاقتصاد العالمي” وإزالة الغموض عن إيديولوجية “المساعدات لدول العالم الثالث” والتي تخفي حقيقة رحلة ضخمة للعمل المأجور على حساب نساء العالم الثالث.
وهكذا تقوم الآلة الرأسمالية-الامبريالية على استخدام واسع النطاق للمهاجرين من آسيا وإفريقيا وجزر الكاريبي وأمريكا الجنوبية كخدم للمنازل في البلدان الصناعية وكذلك في الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط. فقد مكنت السياسات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي، الحكومات في أوروبا وأمريكا وكندا من حل ازمة العمل المنزلي من خلال التزام الآلاف من الفلبينيات ومن النساء المكسيكيات مقابل مبلغ متواضع للقيام بتنظيف المنازل وإعداد وجبات الطعام ورعاية المسنين وساعدت العديد من نساء الطبقة المتوسطة في التخلص من العمل المنزلي، وهذا يعني انتكاسة للنضال النسائي، فعوض التضامن بين جميع النساء في ازمة، يتم تعويضه بعلاقات “الخادمات بالسيدات”. إن توظيف عاملات المنازل يجعل النساء وحدهن مسؤولات عن هذا العمل وليس الحكومة، عن التكاثر ويضعف الكفاح ضد التقسيم الجنسي للعمل في الأسرة كما يتقل كاهل النساء لمواجهة الشريك من الرجال حول تقاسم الأعمال المنزلية. تقوم أيضا هذه الآلة الرأسمالية الجهنمية على تطوير واسع لبيع الأطفال الرضع في السوق الدولية من خلال آلية التبني. فقد تم تصدير 5700 طفلا سنويا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان الاتجار الدولي للأطفال سائدا أيضا في البلدان الاشتراكية سابقا وخاصة ببولندا وروسيا، ففي عام 1994 تم تصدير 1500 طفلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تسببت في فضيحة وطنية. تم أيضا تطوير مزارع للأطفال، حيث يتم إنتاجها خصيصا للأطفال من اجل التصدير والاستخدام المتزايد للمرأة في العالم الثالث كما تأجير الأرحام (الأمهات البديلات) كبديل عن سياسة التبني، هكذا يمكن النساء في البلدان الرأسمالية المتقدمة من تجنب خطر الانقطاع في حياتهن المهنية، بالإضافة إلى أن بيع طفل من العالم الثالث يجلب العملة الصعبة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي يوافقان ضمنيا على هذه الممارسة، لأنه يتم استخدام بيع الأطفال لتصحيح “فائض السكان”.
استغلال آخر تمارسه الرأسمالية المعولمة هو السياحة الجنسية في بعض البلدان الآسيوية (تايلاند، كوريا الجنوبية، الفلبين) بتقديم خدمات للعملاء في جميع أنحاء العالم بدءا من سياح الشركات اليابانية التي عرضت لموظفيها “رحلات المتعة” أو للجيش الأمريكي.
يبلغ عدد سكان تايلاند 52 مليون نسمة، تعمل مليون امرأة في صناعة الجنس إضافة إلى العدد الكبير من نساء العالم الثالث والدول الاشتراكية سابقا اللائي يعملن في الدعارة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وغالبا من خلال ظروف العبودية، كما تقوم أيضا صناعة السياحة الدولية على عمل المرأة في الفنادق كنادلات وطباخات وحرف أخرى و 80% من قوة العمل تشتغل في الفنادق السياحية الكبرى من النساء.
وكخلاصة مركزة، فقد استفاد الرأسمال  ألبطريركي من دروس الحركات النسائية في الستينات والسبعينات التي كانت تناضل من اجل الاعتراف بالعمل المنزلي وتعويضه باجر، لجعل العمل البيتي شفافا وواضحا. وكرد فعل سارعت الرأسمالية إلى خلق قطاع الخدمات لتقويض إعادة الإنتاج ومع ذلك لم تحد من ذلك، ولم تقض على التقسيم الجنسي للعمل الذي يرتبط دائما بالأنشطة الإنتاجية وبإعادة الإنتاج، وبارتباط بوضعية المرأة في المهجر كتعبير عن ازمة إعادة الإنتاج (غياب الشروط الضرورية للحياة، القمع، الحروب، الفقر، غياب الشغل) خاصة في إفريقيا هي ثمرة ديالكتيك التراكم وتحطيم اليد العاملة، في هذا السياق نفهم انتشار العمل الغير شرعي: المتاجرة بالدم وبأعضاء من الجسم.
ورغم النمو الهائل في القطاعات المنتجة للرأسمالية فإنها لم تدمج العمل المنزلي وبالنتيجة كمية العمل الضرورية اجتماعيا من اجل إعادة الإنتاج لقوة العمل، لم تنخفض رغم التزايد المدهش للنساء المستخدمات في الخارج، فقسم كبير من السكان يستعمل الحاسوب لانجاز مختلف الأعمال لاعادة الإنتاج كالثراء والتسوق والبحث في المعلومات، إلى مختلف الأنشطة ذات الارتباط الجنسي. كما وضعت الشركات اليابانية روبوات للاحتياجات الطبيعية والجنسية كمراحيض للشيوخ ودميات جنسية  متحركة لتفجير النزوات والرغبات الجنسية عند الزبون.
وفرضت إجراءات التكيف الهيكلي إعادة انتاج قوة العمل من خلال السماح للهجرة من الجنوب للقيام بمهام التربية وإطعام الأشخاص المسنين وخدمات جنسية بالنسبة للعمال الذكور.
إن إعادة تنظيم عمل إعادة الإنتاج حسب فوائد السوق وعولمة “الأنشطة العاطفية” وابعد من ذلك فان تكنولوجية العمل لاعادة الإنتاج لم تفرض “تحرر المرأة” ولا تخفيض الاستغلال اللامحدود لهذا العمل. كما أن تفكيك الخدمات الاجتماعية ولا تمركز الإنتاج الصناعي  بشكل متوازي رفعا من كمية العمل المنزلي الغير المؤدى عنه، بما فيهن اللائي يقمن بعمل في الخارج.
من خلال الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا التقسيم الدولي الجديد للعمل، يبدو انه وسيلة من مشروع سياسي لمناهضة الحركة النسائية، بتكثيف استغلال النساء، فالتقسيم الدولي الجديد يثير من جديد أشكال الرق والعبودية التي قيلت أنها اختفت مع نهاية الإمبراطوريات الاستعمارية، وهذا يعني أن العديد من النساء في العالم الثالث يجب أن تعمل كخدم في المنازل أو مومسات في الداخل والخارج، وهذا يعزز التقسيم الجنسي للعمل والفصل بين حقلي الإنتاج وإعادة الإنتاج ولا يفصل النساء فقط عن الرجال ولكن أيضا النساء عن النساء، علاقة بين النساء شبيهة بعلاقة النساء البيض بالنساء السود في نظام الفصل العنصري في إفريقيا الجنوبية.
إن التقسيم الجديد للعمل هو ثمرة “اليد الخفية” للسوق والتخطيط المتعدد كرد فعل على نضالات المرأة في العالم الثالث وفي المدن الكبرى وضد التمييز والعمل الغير مدفوع الأجر والتخلف في جميع أشكاله. ومن الواضح أن أمريكا وأوروبا بفضل هذا التقسيم تكرس الاستعمار الجديد عن طريق التدخل العسكري في أكثر من بقعة من العالم الثالث وعن طريق منظماتها المالية والنقدية لفرض سياسات التكيف الهيكلي وتفكيك اقتصاديات سكان العالم الثالث وخوصصة الخدمات العمومية من صحة وتعليم ونقل وسكن وبنية تحتية وغيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق