الجمعة، 10 يونيو 2016

عبد الغني القباج: ‘وتستمرّ أخطاء قوى ديمقراطية ويسارية’

عبد الغني القباج: ‘وتستمرّ أخطاء قوى ديمقراطية ويسارية’

و تستمر أخطاء و ضعف عدد من قوى ديمقراطية و  يسارية…

عبد الغني القباج
سبق أن وضحت في مقال سابق أن النظام الساسي في المغرب، في علاقته بالقوى الديمقراطية، يعمل باستمرار على إفشال  أو احتواء نخبه السياسية المستعدة لذلك و اللعب على تناقضات هذه القوى، بل و على تناقضاتها الداخلية ، و الهدف هو تشتيت القوى الديمقراطية و اليسارية و إضعاف ‏المنعطفات السياسية التي بلوتها تطورات نضال الجماهير الشعبية (حركة 20 فبراير، الاحتجاجات الاجتماعية…) من أجل تحقيق “انتقال ‏ديمقراطي” مفترض. و بالتالي يتم إفشال جميع محاولات “التوافق” التي تبلورت مع المعارضة الديمقراطية. و ينتهي شوط من الصراع السياسي و ما يسمى التوافق السياسي بفرض المؤسسة الملكية لتصورها و برنامجها السياسي و هو ما يسمى في قاموسها و قاموس جل النخب السياسية بـ”التغيير في إطار الاستمرارية” التي ينتهي بسيطرة الاستمرارية على التغيير.
و لا تغفل كذلك استغلال النظام السياسي السائد لقضية الصحراء و تهديدات الإسلاموية الإرهابية للتحكم في الوضع السياسي و لإعاقة النضال الديمقراطي و تبرير مصادرة الحريات و حقوق الانسان.  ‏
وبالتالي يطرح علينا الواقع سؤال “لماذا تفشل ‏القوى الديمقراطية و اليسارية في تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية؟” و الالتزام بالنضال الديمقراطي الشعبي و تنظيمه و تثويره و قيادته إلى ان يتحقق، دستوريا و سياسيا و مجتمعيا، انتقال فعلي إلى الديمقراطية؟
و لماذا يعود الوضع السياسي بعد كل منعطف سياسي إلى نقطة الانطلاق، لتبدأ صيرورة نضالية ديمقراطية أخرى بحثا عن توافق و وسيلة لتحقيق الانتقال إلى الديمقراطية.
و ليس خاف أن النظام السياسي و السياسة المخزنية من جهة يعملان على استقطاب نخب القوى الديمقراطية و اليسارية السياسية و النقابية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية لإضعافها  و هو ما يخلف تشتت و انقسام داخل هذه القوى  التي لم تستطع التوحد على أساس تصور ديمقراطي و برنامج ديمقراطي مرحلي في اللحظات السياسية الحاسمة. و بالتالي تستمر في عجزها على تشكيل جبهة ديمقراطية و قوة اجتماعية ديمقراطية قادرة على تغيير ميزان القوى لصالح تغيير ديمقراطي حقيقي..  و ما حدث لـ”الكتلة الديمقراطية” من تشتت و انقسام يجسد ما نطرحه.  
و وضع تشتت و انقسام القوى الديمقراطية و اليسارية و عدم التزام مكوناتها بالاتفاقات المبرمة بينها مكن النظام السياسي من الاستمرار في  التحكم في جماهير الشعب و قيادتها ثقافيا و إيديولوجيا و سياسيا و تعبئتها في المنعطفات ‏السياسية ضد الديمقراطية. و هذا ما جرى مع حكومة ما سمي “التوافق التناوبي”، كما حدث ‏مع انتفاضة “20 فبراير”، و الاستفتاء على دستور 2011،  و ما نعيشه من انتكاس السياسة في الأداء الحكومي و البرلماني و انتكاس في المكتسبات النسبية في مجال حقوق الانسان و حرية الصحافة و التعبير، و في مجال الحريات العامة مع القمع الذي مورس على الطلبة الأطباء و الأساتذة المتدربين و فئات من الممرضين و عمال المناجم بسبب تعنت السلطة السياسية و حكومة تستمر في تطبيق سياسة تخدم في جوهرها مصالح البرجوازية الكمبرادورية (الصناعية و التجارية و الفلاحية).
و حتى ما حققه اليسار الجذري من صيغ التحالف و الوحدة و خصوصا “تجمع اليسار الديمقراطي” الذي تمت إعاقة تطوره لكون بعض الأطراف طرحت اشتراطات تمثلت في سقف “الملكية البرلمانية” و “المشاركة في الانتخابات” و “الصحراء” لاستمرار “تجمع اليسار الديمقراطي”. و هي اشتراطات تبين أن الخط السياسي لـ”فدرالية اليسار الديمقرطي” يتماهى بشكل شبه كامل مع ما يطرحه النظام السياسي السائد، وتحولت الرؤية السياسية لليسار الديمقراطي الجذري إلى مزيد من الالتباس في الخط السياسي اليساري و مواقفه من النظام المخزني التبعي و التبعية لما هو سائد.
في مثل هذا الواقع السياسي تنطرح، في كل منعطف سياسي، إشكالية الشرط الذاتي للقوى الديمقراطية و اليسارية، أي شرط قدرتها و استعدادها لقيادة النضال الديمقراطي لجماهير و لفئات شعبية تخوض نضالات مريرة في ظل غياب شبه تام لخطة سياسية جماهيرية ديمقراطية لتأطير و تنظيم نضال هذه الفئات الشعبية و تشكلها كقوة اجتماعية ديمقراطية مرتبطة عضويا بالقوى اليسارية الديمقراطية.
أمام ضعف القوى اليسارية الديمقراطية و تشتتها و انقسامها ينطرح السؤال المقلق: لماذا الشرط الذاتي السياسي و ‏الثقافي و الاجتماعي و التنظيمي للقوى اليسارية و الديمقراطية كان دائما متخلفا عن الشرط  ‏الموضوعي؟ ‏و لماذا يستطيع النظام السياسي تقسيم و شق قوى المعارضة الديمقراطية و اليسارية، يدمج بعضها و يهمش بعضها الآخر.. و بعد استعمالها يرميها..؟
و نلاحط أن القوى الديمقراطية و اليسارية التي تشارك في مؤسسات و سياسة النظام السياسي و برامجه تراهن على الدفع التدريجي للنظام السياسي ليقبل التحول التدريجي إلى الديمقراطية، و تبرير ذلك بأن المغرب تواجهه تحديات قضية الصحراء، و تحديات الإرهاب الإسلاموي مما يهدد الاستقرار السياسي.
و ما يحدث بعد سنوات هو أن هذه القوى الديمقراطية و اليسارية تطحنها طاحونة المؤسسات المخزنية و تفقد بذلك تصورها و خطها السياسي الديمقراطي و اليساري. و بعد إضعافها يسهل في النهاية على النظام السياسي السائد استعمالها لتطبيق سياسته و اختياراته التبعية الإقتصادية و تعميق الارتهان المالي بالمؤسسات المالية الإمبريالية.
إن القوى “الديمقراطية” و “اليسارية” التابعة للنظام السياسي تتحمل مسئولية ما يقع لها. لأنها ضحية مواقفها و ممارستها السياسية و خطها السياسي. لقد رددت عدد من الأطر القيادية التي لها موقف المشاركة في مؤسسات النظام السياسي بدون شروط أن قوى اليسار و الديمقراطية يجب أن تكون داخل الفعل السياسي السائد، أي أن تنتقل من ما تسميه الهامش السياسي (عدم المشاركة في مؤسسات النظام السياسي)، إلى المركز السياسي (المشاركة في مؤسسات النظام السياسي). أن هذا التصور في العمل السياسي يطبق تصورا خاطئا للتغيير الديمقراطي، و هو تصور يدعي بناء الديمقراطية انطلاق من البناء الفوقي (La Superstructure)   دون توفر شروط البناء التحتي (infrastructure). و هي ممارسة سياسة غالبا ما تكون مفصولة عن الطبقات الاجتماعية و المصالح الطبقية رغم أنها تزعم التعبير عنها.
صحيح أن بعض القوى اليسارية الجذرية تطرح برنامجا سياسيا، إلى هذا الحد أو ذاك ديمقراطي راديكالي ‏و ترفع شعاراته، لكنها ‏ظلت عاجزة على أن تجعل الطبقات الشعبية، التي من المفترض أن تشكل قاعدتها الاجتماعية، تدرك تميز و تلمس ديمقراطية ممارستها السياسية و اختلاف برنامجها و عملها السياسي الديمقراطي و التزامها عن القوى التي تزيف الديمقراطية و تسخرها لمصالحها تقنعها بهذا ‏البرنامج و الشعارات كجوهر للنضال الديمقراطي المنظم ‏المستمر، و بالتالي تقتنع هذه الطبقات الشعبية بقيادة القوى الديمقراطية و اليسارية لهذا النضال الديمقراطي ‏بهدف تحقيق انتقال فعلي إلى ‏نظام سياسي ديمقراطي.    ‏
و بعد كل منعطف سياسي و فشل صيرورة انتقال حقيقي إلى نظام سياسي و مجتمعي ديمقراطي، نجد أن القوى اليسارية و ‏الديمقراطية‏ تمارس سياسة تبرير الفشل بدل ممارسة نقد ذاتي صريح لأخطائها السياسية و ‏التنظيمية و الفكرية. و هذه من أسباب تشتت و انكفاء القوى الديمقراطية و اليسارية و تراجع تأثيرها.‏
و مع كل فشل في الانتقال إلى الديمقراطية و مع كل تراجع عن مكتسبات النضال الديمقراطي و عدم الرد الحازم، تتراكم الأخطاء السياسية لقيادات و نخب مكونات القوى السياسية و النقابية و الثقافية و المدنية اليسارية و الديمقراطية، و تصاب إرادتها بالضعف أو بالعجز عن بلورة المواقف و الممارسة و المبادرة السياسية الكافية لإحداث تغيير في ميزان القوى، و لا تجد أمامها إلا الاستسلام  للأمر الواقع ليبدأ تبرير “أن المغرب لم يكن أمامه من بديل” في ظل سيطرة ثقافة و سلطوية السلطة المخزنية و في ظل توسع تأثير الإيديولوجية الإسلاموية و التقليدية في السلوك الاجتماعي. و تبدأ المطالبات و المواقف الباحثة عن إقناع النظام السياسي بضرورة الانتقال إلى الديمقراطية بدعوى “‏عدم إدخال المغرب في متاهات العنف الإسلاموي و الإثني و الطائفي”.  ‏
إن فشل انتقال المغرب إلى صيرورة تحقيق نظام سياسي ديمقراطي تعود إلى طبيعة النظام السياسي السائد الذي يستعصي على التحول إلى نظام سياسي ديمقراطي من جهة و عجز و شلل الإرادة السياسية قيادات قوى يسارية سياسية و نقابية و مدنية و ثقافية لبلورة بديل ممارسة سياسية ديمقراطية بديلة تشكل وعي القوى الشعبية و ممارستها النضالية بدل الاستمرار في انفصالها السياسي و ‏التنظيمي و النضالي عن جماهير الطبقات الشعبية مما يجعلها عاجزة عن قيادة النضال الديمقراطي الجماهيري و يجعل الانتفاضات العفوية للجماهير الشعبية ‏سيزيفية و فاقدة  لأي مشروع ديمقراطي و لأية أهداف سياسية واضحة.   ‏
هوامش :
* البنية التحتية أو البناء التحتي و يعني كل ما هو مرتبط بالإنتاج‏ البنية الاقتصادية و نمط انتاج الحياة المادية التي تكيف صيرورة الحياة الاجتماعية، السياسية، الروحية و يهم شروط الإنتاج و المناخ و كل المواد التي نأخذها من الطبيعية و نستعملها لتحقيق الانتاج كما تعني  قوى الإنتاج (أدوات ، آلات ..) وعلاقات الإنتاج (الكبقات الاجتماعية، السيطرة، الاستلاب، العمل المأجور..
* البنية الفوقية أو البناء الفوقي و يعني جميع أفكار المجتمع و الإنتاج اللا مادي و كل ما يظهر و يُعْلـَنُ و تعبيرات العقل الإنساني في الحياة الاجتماعية و السياسية و الروحية: القانون، السياسة، الدين، ‏الأخلاق، الفن، الفلسفة، العلوم … ‏
عبد الغني القباج
سان فرانسيسكو 7 يونيه 2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق