الخميس، 25 أغسطس 2016

غياب: اليسار المغربي في حداد.. الموت يغيب المناضل رؤوف فلاح

غياب: اليسار المغربي في حداد.. الموت يغيب المناضل رؤوف فلاح

غياب: اليسار المغربي في حداد.. الموت يغيب المناضل رؤوف فلاح


 برحيل الأستاذ رؤوف فلاح يكون اليسار المغربي قد فقد أحد أبرز أسمائه التي اختارت العمل في صمت مبتعدة عن الأضواء والضجيج..
 رؤوف فلاح يستحق عن جدارة أن يوصف ب”حكيم اليسار المغربي الجديد”، فالراحل وهو شاب يافع كان من قادة الحركة التلاميذية والطلابية في فترة سبعينيات القرن الماضي، وواحد من مؤسسي الحركة الماركسية اللينينية المغربية (إلى الأمام)، ومن قادة النضال النقابي ضمن الجامعة الوطنية للتعليم (الاتحاد المغربي للشغل).
 عاش رؤوف محنة المطاردة والاختطاف والتعذيب والسجن والاعتقال السياسي في فترة سنوات الجمر والرصاص.

في منتصف التسعينيات الماضية عندما اختارت مجموعة من رفاقه، في حركة “إلى الأمام” العمل السياسي في العلنية، وقاموا بتأسيس “النهج الديمقراطي” الحركة أولا ثم الحزب، بزعامة عبد الله الحريف ومصطفى البراهمة، ظل رؤوف فلاح على مسافة من الإطار اليساري الوليد، لكنها مسافة لم تكن بعيدة، بل جعلته مع تطور الأحداث حاضرا في أغلب الأنشطة الإشعاعية للنهج، وفي ساحات المعارك النضالية التي تدعو إليها أو تكون طرفا فيها، وسيتحول رؤوف فلاح إلى فاعل مرجعي أساسي لمناضلي “النهج الديمقراطي”، يتحلق حوله الشباب والمناضلون في الساحات والمقاهي للاستفادة منه والاستمتاع بأسلوبه في الحديث والكلام، وبنقاشاته واجتهاداته وتحليلاته الثاقبة، والإنصات لروايته التاريخية حول سيرة اليسار المغربي الجديد، وسبل تجاوز أزمة الحركة التقدمية.
هكذا سنجد رؤوف فلاح مستشارا، غير معين ولا معلن، لقادة النهج، وعضوا في هيأة تحرير المجلة الفصلية الفكرية “التحرر” تحت إدارة عبد الله الحريف.
رؤوف كان يساريا مجددا منتقدا بحزم كل جمود عقائدي أو تقديس أعمى لفكرة أو لشخص.
كان فلسطينيا كالمناضلين الفلسطينيين، بل وأكثر.  وربما اختلط على المرء أحيانا وهو  يستمع لرؤوف فلاح يتكلم في القضية الفلسطينية والأوضاع العربية، أننا أمام مناضل قومي، ولسنا أمام مناضل يساري أممي الهوى والنسب.
عندما كان رؤوف يتابع خطب الزعيم الشيعي حسن نصر الله في لبنان مثلا، كان ينتبه أكثر لطريقة التحليل التي ينهجها زعيم حزب الله، وكان لا يخفي إعجابه، لا استغرابه، من إتقان أصولي للديالكتيك الماركسي.
لم يكن الراحل شخصا منغلقا، بل كان متفتحا على جميع الحساسيات والأصوات والتيارات داخل العائلة اليسارية الكبيرة، وطبيعي أن يحلم بوحدة اليسار ضمن حزب كبير أو في جبهة عريضة واسعة.
 كما كان الفقيد فلاح فأر كتب، قارئ جيد باللغتين، بالعربية الفصيحة غير المقعرة، وبالفرنسية الأنيقة النائية عن كل تحذلق، يلتهم ما تصدره دور النشر على امتداد العواصم العربية، وما تطرحه دور النشر الفرنكفونية، سواء في الفكر والسياسة أوالأدب. وغالبا ما تجد رؤوف متأبطا كتابا أو عددا جديدا من مجلة أسبوعية أو شهرية، هو العاشق الكبير للفنون وللآداب والتاريخ، متتبعا ما ينشر على الشبكة العنكبوتية، يحدثك بحماسة عن آخر الأخبار، أو  آخر ما نشر أو تم بثه على شاشة الفضائيات واليوتيوب.
الفقيد فلاح سليل حاضرة الموريسكيين مدينة سلا، كان عاشقا كبيرا لمدينة سيدي بليوط، لطالما صرح بحبه لكازابلانكا، واعتبر نفسه من المحظوظين عندما ساقته الظروف ليصبح من مواطنيها وساكنتها الأبرار.
هو البشوس المتواضع المتفائل الجميل الصبور الذي آمن بانتصار قضية الكادحين، المساند القوي للشباب ولحركة عشرين فبراير.
يشهد المقربون منه أنه خلال معاناته مع داء السرطان، كان شجاعا .. لم يهن ولم يترك سلاح الأمل يسقط من يده، ولم تغادر الابتسامة وجهه، وابتسامته الأخيرة كانت تعبيرا ساخرا، لكنها سخرية حبلى بالآمال ومبشرة بالانتصار.  
عبد الرحيم التوراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق