السبت، 9 أبريل 2016

“عبد الله الحريف” ل”أخبركم”: “المخزن عدوُّ الشعب

“عبد الله الحريف” ل”أخبركم”: “المخزن عدوُّ الشعب، ونهب الثروة كبير، وهذه مشاكل وحدة اليسار والتنسيق مع العدل والإحسان ضروري”
hourif

“عبد الله الحريف” ل”أخبركم”: “المخزن عدوُّ الشعب، ونهب الثروة كبير، وهذه مشاكل وحدة اليسار والتنسيق مع العدل والإحسان ضروري”

أنجز الحوار: مصطفى حيران 
° العدو الرئيسي المباشر للشعب المغربي حاليا هو المخزن
° نُواجَه في إطار العمل الوحدوي اليساري باشتراطات تعجيزية من قبيل تغيير مواقفنا من (الصحراء، الملكية البرلمانية، الانتخابات)
° لهذه الأسباب تعرَّض النهج الديموقراطي من أطراف داخل تجمع اليسار الديمقراطي لابتزاز غير مقبول
 ° أنا مقتنع أن المغرب مقبل على تغييرات كبيرة لا بد من الاستعداد لها
° لهذه الأسباب اقتنعتُ بضرورة نشوء تنسيق يساري مع جماعة العدل والإحسان وهذا رأيي في التخوفات من هذا التنسيق
° تصريحات بان كي مون بشأن الصحراء تم تضخيمها وهذه أغراض المخزن من ذلك
° المشهد السياسي المغربي سوريالي عبثي.. انحطاط النقاش السياسي الذي يطغى عليه السب والقذف واستعمال لغة منحطة والديماغوجية والشعبوية والغوغائية
° حصيلة حزب العدالة والتنمية في الحكومة إيجابية جدا بالنسبة للكتلة الطبقية السائدة والمخزن والإمبريالية!
° هناك نهب كبير للثروة المغربية وعاصفة “باناما بابرز” ستمر ولا شيء يتغير لأننا نعيش في ظل الاستبداد والحكم الفردي المطلق..

(أخبركم) العناوين الفرعية أعلاه خطوط عريضة للحوار الشامل الذي أجريناه مع القيادي اليساري المغربي الكبير “عبد الله الحريف”.. قضى هذا السياسي الملتزم على نحو نادر، زهاء عقدين من عمره وراء القضبان دفاعا عن قناعاته السياسية اليسارية حين زُجَّ به بمعية رفاقه ورفيقاته في منظمة “إلى الأمام” اليسارية الراديكالية أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي، في السجن، وظل الرجل واقفا برغم كل مِحن السجن وهو في مستهل عمره المهني، فضلا عن تركه حياة سهلة في كنف أسرة ميسورة تستقر في مدينة مكناس. وليترسخ مسار “عبد الله الحريف” باعتباره مناضلا يساريا من طراز رفيع بين رفاقه في منظمة إلى الأمام وبين كل فصائل اليسار المغربي.
أسس عبد الله الحريف عقب تجربة السجن الطويلة حزب “النهج الديموقراطي” بمعية رفاقه من منظمة ” إلى الأمام” سنة 1995 وظل كاتبا وطنيا له حتى سنة 2012، ليظل بعد ذلك عضوا في الكتابة الوطنية لنفس الحزب حتى الآن، مُدافعا عن ذات التوجه الفكري السياسي الذي يشرح بعض ملامحه في نص الحوار.
طرحنا على “سي الحريف” أسئلتنا بصدد أكثر من موضوع، من تجربته على رأس حزب النهج الديموقراطي إلى مشاكل التنسيق بين فصائل يسارية مغربية فموضوع التنسيق اليساري مع الإسلاميين سيما جماعة العدل والإحسان ومآزق ملف الصحراء وتعاطي الدولة والأحزاب معها، ورأيه في ما يُمكن أن يؤول إليه هذا الملف، وتقييمه لحصيلة حكومة بنكيران وموقفه من فضيحة ما بات يُعرف ب”أوراق باناما”..
أجاب الأستاذ عبد الله الحريف على كل أسئلتنا بسعة صدر وأناة.. فإليكم أسئلة وأجوبة حوارنا معه: 

– قضيتَ سبعة عشرة عاما على رأس حزب النهج الديموقراطي. ماذا استخلصت من هذه التجربة؟
يمكن تركيز خلاصة تجربتي على رأس النهج الديمقراطي في النقط التالية:
لقد كنا على صواب بتشبتنا ودفاعنا المستميت عن بعض الثوابت في هويتنا وتصوراتنا والتي استمددناها من تجربة المنظمة الماركسية-اللينينية “إلى الأمام”:
1– الوضوح الفكري من خلال التشبث بالماركسية، ليس كدوغما، بل كمنهج للتحليل ونظرية في التغيير الثوري، نظرية تتطور باستمرار مع تطور العلوم والممارسة الاجتماعية وعدم الانجرار إلى الارتدادات التي عرفها اليسار، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والتصدي لمحاولات جرنا إلى وحدة مائعة على المستوى الأيديولوجي قد لا تتجاوز الاشتراكية-الديمقراطية التي بينت التطورات في العالم أن دورها الأساسي هو التنفيس عن أزمات الرأسمالية.
ويظهر الآن، بكل وضوح، أن الرأسمالية ليست نهاية التاريخ، بل إنها إلى زوال لأنها تدفع البشرية نحو الفناء، وأن لا مستقبل إلا في ظل الاشتراكية. اشتراكية تختلف عما طُبِّق من قبل، بل كنتيجة لتجارب جديدة تستخلص الدروس من أخطاء كل التجارب التي عرفتها البشرية من قبل لبناء أنظمة أكثر عدلا وأكثر مساواة.
2–التأكيد على الضرورة القصوى لبناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة وعموم الكادحين. هذا البناء الذي سيتم من خلال انصهار طلائع الطبقة العاملة والكادحين عموما بالمثقفين الثوريين الماركسيين، والذي أُجهض لحد الآن لأسباب لا يسع المجال هنا لذكرها.
3–الوضوح فيما يخص التناقضات التي تعتمل في مجتمعنا:
°°التناقض الأساسي بين الكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية والمخزن من جهة، والطبقة العاملة وعموم الكادحين من جهة ثانية.
°°التناقض الرئيسي بين الكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية والمخزن من جهة وكل الطبقات الشعبية من جهة أخرى
4–الوضوح التكتيكي من خلال تحديد العدو الرئيسي المباشر للشعب المغربي حاليا أي المخزن، والتأكيد على ضرورة بناء أوسع جبهة موحدة ضده. وفي هذا الإطار، لم نتوقف عن الصراع ضد “التوافقات” العرجاء مع المخزن التي ميزت ممارسة الحركة الوطنية، منذ مرحلة النضال من أجل الاستقلال وصولا إلى ما سمي ب “التناوب التوافقي” والتي أدت إلى تقوية أركان المخزن.
5–إعطاء أهمية كبيرة للديمقراطية في المجتمع وداخل تنظيمنا وفي علاقتنا مع الجماهير ومنظماتها المختلفة.
6–التركيز على التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية والتي يتلخص دورنا الأساسي إزاءها في تحصينها ضد الاختراق أو التلغيم أو الاحتواء من طرف المخزن والقوى الموالية له. هذه التنظيمات تمكن الجماهير من تنظيم صفوفها وتدبير شؤونها والتصدي لمحاولات إخضاعها من طرف أية قوة كانت، بما في ذلك القوى الثورية. وهي تشكل الأساس لديمقراطية أرقى من الديمقراطية التمثيلية التي تؤدي إلى تفويت مصير الشعب إلى قوى لن يستطيع محاسبتها إلا بعد فوات الأوان.
7–الكفاحية والانخراط القوي في النضالات الشعبية والتحلي بالفكر الوحدوي، خلافا لما يُرَوَّجُ ضدنا. وهنا أريد أن أؤكد أننا لم نتوقف عن الدعوة إلى العمل الوحدوي. لكن أصبحنا نُواجه باشتراطات تعجيزية من قبيل تغيير مواقفنا (الصحراء، الملكية البرلمانية، الانتخابات).
لكن ما سبق لا يعني أن تجربتنا لم تعاني من نواقص ولم تعتريها أخطاء:
8–لا بد من المزيد من تطوير وتدقيق تكتيكاتنا لتستجيب بشكل أحسن لما تتطلبه الظرفية السياسية المحددة وتخدم، في نفس الآن، أهدافنا الاستراتيجية. وسينكب مؤتمرنا الوطني الرابع على تدقيق تكتيكنا. وفي هذا السياق، يجب القيام بمجهود خاص لبلورة ملفات مدققة في قضايا أساسية كالتعليم والصحة والتشغيل تطرح إجراءات مستعجلة لأن الجماهير في حاجة إليها وأخرى جوهرية تتعلق بالسياسات الطبقية المطبقة. وذلك لكيلا يتم اتهامنا بكوننا نكتفي بالمعارضة ولا نطرح بدائل ملموسة أو أننا أصبحنا إصلاحيين.
9–تطوير إعلامنا ومختلف وسائل التواصل مع الشعب لمواجهة الحصار والتشويه والكذب الذي يمارسه المخزن والقوى الموالية له والجزء المدجن من الصحافة ضدنا.
10–المزيد من الانخراط في الصراع الفكري والسياسي ضد الفكر الرجعي بكل تلاوينه وضد الفكر اليميني واليسراوي وسط اليسار وبالخصوص ضد النفور من العمل السياسي المنظم، خاصة وسط الشباب، على اعتبار أن كل الأحزاب سواسية و”باعت الماتش” أو فشلت وأن التغيير سيتم من خلال النضال الجماهيري والعالم الافتراضي والمجتمع المدني فقط. بينما تبين السيرورات الثورية في العالم العربي أنه، إذا كان التغيير ستفرضه الجماهير المنتفضة، فإن القوى المنظمة والمنغرسة وسط الشعب هي من سيستفيد منه.
11–القيام بمجهود خاص لبعث الأمل في التغيير وأن شعبنا ليس مُخيرا بين “الاستقرار” بمعنى استمرار الاستبداد والحكم الفردي المطلق وبين الفوضى والفتن. ولأجل ذلك التعريف بالنضالات المجيدة للشعب المغربي وقواه الديمقراطية والتقدمية والتأكيد على أن هذه النضالات لم تذهب سدى بل حققت مكتسبات ملموسة وحافظت على شعلة النضال متقدة.
 – كيف تنظر إلى دِفة قيادة حزب النهج عقب انتهاء فترة رئاستك سنة 2012، هل حصل تغير ما وعلى أي مستوى؟
أنا عضو في الكتابة الوطنية الحالية للنهج الديمقراطي وبالتالي فإنني، أتحمل،كباقي أعضائها، المسؤولية في أدائها السياسي والفكري والتنظيمي والنضالي. وكل ما سأطرحه ينطبق علي أيضا.
في اعتقادي، فإن أداء الكتابة الوطنية قد تحسن على مختلف المستويات:
–على المستوى السياسي، هناك العديد من المبادرات: تطوير حملة مقاطعة الانتخابات، هجوم وحدوي تجاه اليسار (رسائل للفدرالية من أجل تطوير العمل المشترك، العمل على تطوير المبادرة من أجل جبهة ديمقراطية وهي تجمع يضم قوى سياسية واجتماعية) إطلاق الحوار العمومي مع القوي الفعالة بما في ذلك جماعة العدل والإحسان، مواكبة القضايا والاحداث الوطنية والإقليمية والدولية واتخاد مواقف منها…
–على المستوى الفكري: اصدار مجلة “التحرر”، مجهود خاص في إطار التحضير للمؤتمر الوطني الرابع…
–على المستوى التنظيمي: متابعة أكثر التصاقا للفروع والقطاعات (الشباب، العمال، النساء) ولعملنا الجماهيري النقابي والحقوقي ووسط المعطلين والأساتذة الجامعيين والطلبة…
–على المستوى الاشعاعي: حضور اعلامي أقوى، خاصة بواسطة الانترنيت، تنظيم ندوات، بما في ذلك بحضور شخصيات وازنة من العالم العربي وأوروبا
–على المستوى النضالي: الانخراط في اغلب النضالات ومساندة كل الضحايا
ومع ذلك كان من الممكن أن يكون أداؤنا أحسن، لو كنا نتوفر على مناضلين متفرغين للعمل السياسي والفكري والتنظيمي. لذلك ولأسباب أخرى موضوعية وذاتية (ضعف الإمكانيات المادية، الحصار والتشويش، طغيان الحركية واحتقار النظرية من طرف العديد من مناضلاتنا ومناضلينا…)  لم نتقدم بما يكفي في تحقيق بعض أهدافنا: تصليب التنظيم وتوسيعه وبلترته وانغراسه وسط الكادحين. كما أننا لم نستطع لحد الآن ضمان نوع من التوازن بين عملنا الجماهيري وعملنا السياسي-التنظيمي حيث لا زال الأول يستأثر بمجهودات أغلبية مناضلاتنا ومناضلينا. من الممكن أيضا أن نكون أكثر حضورا في الساحة السياسية والفكرية وأن نتقدم بالمزيد من المبادرات وأن نطور ونوسع علاقاتنا مع القوى الصديقة في العالم.
 – ألا ترى أن حزب النهج ظل سجينا لقراءة ماضوية لتطور الأحداث سيما فيما يتعلق بالإنخراط في مساعي توحيد اليسار، حيث تظل هذه الإستجابة إما معدومة أو متباطئة؟
لا أتفق بتاتا مع ما تطرحه في سؤالك الذي هو في الحقيقة تكرار لما تروج له بعض الأوساط الرسمية وكذا أوساط من داخل اليسار. العكس هو الصحيح. وهنا يجب توضيح ما يلي فيما يخص قضايا الوحدة:
هناك الوحدة الاندماجية التي تقبل فيها التنظيمات حل نفسها لخلق حزب واحد. وهذا يفترض أن تتقاسم هذه الأحزاب نفس المرجعية ونفس الأهداف الاستراتيجية.
وهناك الوحدة في شكل جبهة تحافظ فيها القوى المشاركة على ذاتها وتتفق على برنامج لمرحلة معينة وقد تختلف على الأهداف الاستراتيجية وعلى مستوى المرجعية.
بعد محاولات تجميع شتات المناضلين المنحدرين من تجربة الحركة الماركسية-اللينينية بداية التسعينات من القرن الماضي والتي بينت أن هناك اختلافات جوهرية فيما يخص المرجعية، وكذا تقديرات متناقضة للظرفية السياسية، يستحيل معها بناء وحدة اندماجية. والنهج الديمقراطي لم يتوقف عن الدعوة للعمل الوحدوي والانخراط في المبادرات الوحدوية.
وقد أثمرت هذه المحاولات بناء تجمع اليسار الديمقراطي الذي وضع جانبا القضايا الخلافية وركز على القضايا المشتركة وما أكثرها. لكن تبين أن أطرافا داخل تجمع اليسار الديمقراطي لم يكن همها تفعيل المشترك بقدر ما كان هدفها جر النهج الديمقراطي إلى تبني مواقفها من القضايا الخلافية (الملكية البرلمانية، الانتخابات،الصحراء) وحين تبين لها استحالة ذلك وضعت تجمع اليسار في الثلاجة. ثم بدأت تشترط الاتفاق مع مواقفها للالتحاق بفيدرالية اليسار وهذا حقها، لكن تجاوزت ذلك وأصبحت تطرح نفس الاشتراطات للقيام بأي عمل مشترك وهذا، في نظري، نوع من الابتزاز غير المقبول.
وبالرغم من ذلك لم يكف النهج الديمقراطي من دعوة الفيدرالية إلى العمل المشترك، تشهد على ذلك الرسائل التي أرسلها لمكوناتها. كما يسعى النهج الديمقراطي، في إطار المبادرة من أجل الجبهة الديمقراطية، إلى تجميع قوى سياسية واجتماعية يسارية وديمقراطية. ويلعب مناضلو ومناضلات النهج الديمقراطي دورا مهما في توحيد الحركات المناضلة: المعطلون، الطلبة، حركات من أجل السكن اللائق…
 – عقب مُبارحتك لمهمتك القيادية الحزبية طرحت أرضية اعتُبرت مُفاجئة بصدد التنسيق اليساري مع الإسلاميين، وهو الطرح الذي قُوبل بالرفض من أغلب مكونات اليسار بل وحتى من حزب النهج، وقد وُجِّه إليك نقد من حيث المبدأ أفاد أنك انتظرت حتى مُغادرة مهامك ككاتب وطني لحزب النهج لتقدم طرحك. السؤال لماذا كان طرحك ذاك بعد وليس أثناء شغلك منصب المسؤولية الأولى في حزب النهج؟
لا علاقة لموقفي من التنسيق الميداني مع العدل والإحسان بكوني لم أعد أتحمل مسؤولية الكاتب الوطني. بدأت هذه القناعة تتشكل عندي في خضم حركة 20 فبراير التي عرفت تنسيقا ميدانيا بين اليسار والعدل والإحسان. ثم ترسخت بعدما وقع في مصر وتونس. ففي تونس سهلت المواجهة المشتركة لليسار والنهضة للقمع أيام بن علي الوصول إلى توافقات إيجابية نسبيا فيما يخص الدستور. وعلى العكس من ذلك في مصر، ساهم التناحر فيما بين اليسار والإخوان المسلمين في رجوع الفلول والعسكر.
لهذه الاعتبارات، ولأن العدل والإحسان متواجدة في الساحة النضالية ومناهضة للمخزن ولكونها مقتنعة انها لن تستطيع انجاز التغيير لوحدها، ولأن لها تواجد هام في المجتمع، ولأنها تطرح ضرورة التوافق عوض الارتكاز إلى الأغلبية لتحديد ملامح المجتمع الجديد بعد التغيير. لهذه الاعتبارات ولكوني مقتنع أن المغرب مقبل على تغيرات كبيرة لا بد من الاستعداد لها، دعيت أيضا إلى فتح الحوار العمومي بين اليسار والعدل والإحسان. وذلك لكيلا تفاجأ التغيرات الصف المناهض للاستبداد والفساد وهو منقسم على نفسه، بل متصارع بين مكوناته مما سيؤدي إلى إضاعة فرصة قد لا تُعوض.
أما التخوفات من التنسيق مع العدل والإحسان، فلكونها قوة تؤمن بالديمقراطية كآلية لحسم السلطة فقط (الانتخابات) وليس كقيم تتضمن التعدد والتسامح وحرية المعتقد.. وقد تنقلب على الديمقراطية بعد وصولها إلى السلطة وتفرض تطبيق الشريعة ودكتاتورية تتغطى بالمقدس. واليسار ضعيف وعاجز على التصدي لهذا الاحتمال.
إن الحوار العمومي من شأنه تبديد بعض هذه التخوفات وإيجاد توافقات في القضايا الخلافية والنضال الميداني المشترك من شأنه خلق علاقات من الثقة المتبادلة ونشر قيم التعايش بين المناضلين.
أما اليسار، فكلما تشبت بهويته كفوة تدافع باستماتة عن مصالح الكادحين وواجه محاولات جره إلى مستنقع المخزن ورفع عاليا راية النضال ضد الاستبداد والفساد والكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية، كلما سيظل رقما لا يمكن تجاوزه.
 – ثمة الآن انفتاح ولو أنه محتشم من طرف بعض مكونات اليسار بما في ذلك حزب النهج على الإسلاميين سيما على جماعة العدل والإحسان، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وهل تشعر أن هذا المعطى يزكي طرحك الذي قدمته في أرضيتك بهذا الشأن؟
ربما يتعلق الأمر بشكل إلحاحي على أننا، كيسار، لا يمكن أن نتجاهل قوة موجودة وفاعلة في الساحة وأن إحدى أهم نقط قوة المخزن تكمن في انقسام القوى الفعالة، والذي اكتسب مهارة كبيرة في تغذيته وتسعيره (أي الانقسام) بينما لا يتوانى لتجاوز أزماته عن توظيف قوى كانت تعاديه بالأمس القريب، شكل ذلك نوعا من الصدمة بدأت تخلخل بعض الطابوهات والمسلمات. ولا شك أيضا أن ما وقع في العالم العربي، إثر ما يسمى “الربيع العربي”، قد ساهم في الدفع بالمناضلين إلى مراجعة الذات.
  – ما رأيك في التطورات الأخيرة التي اتخذها ملف الصحراء؟
اعتبرت، منذ البداية، أن تصريحات بان كي مون تم تضخيمها: فالحسن الثاني اعترف بحق تقرير المصير في الصحراء في نيروبي سنة 1981 وعلى هذا الأساس تم إحداث بعثة المينورسو. والأمم المتحدة تعتبر قضية الصحراء قضية تصفية استعمار لأن الصحراء كانت مستعمرة إسبانية ووضعها القانوني على المستوى الدولي لا زال لم يُحسم بعد. فلماذا كل هذا الصخب؟
ربما للتغطية على الوضع الاجتماعي المحتقن والبحث عن تثبيت “السلم الاجتماعي” من خلال تخويف القيادات النقابية البيروقراطية وتبرير قمع الحركات الاجتماعية الاحتجاجية والقوى المناضلة باسم “المصلحة العليا للوطن” وتصعيد القمع في الصحراء وإغلاقها أمام الصحفيين والمدافعين على حقوق الإنسان الأجانب، والسعي إلى التنصل من التزامات الدولة مع المنتظم الدولي في قضية الصحراء.
  – كيف تنظر إلى تعاطي الدولة والأحزاب مع ملف الصحراء؟
ظلت الدولة تحتكر ملف الصحراء ولا تلجأ إلى الأحزاب إلا حين تريد إبراز أن هناك إجماعا وطنيا حول هذه القضية أو حين تريد، بين الفينة والأخرى، توظيفها فيما تسميه “الدبلوماسية الشعبية”. أما في الأزمة الحالية، فقد تعاملت الدولة بنوع من التسرع والارتباك وردود الأفعال الغاضبة.
 – بالنظر إلى الحيثيات والمعطيات الأخيرة ما هو تصورك لمآل ملف الصحراء؟
ربما رد فعل الدولة بالشكل السابق كان أيضا محاولة من النظام لاختبار ما إذا كان من الممكن خلخلة الوضع القائم في الصحراء لصالحه. غير أن الوضع في الصحراء والوضع الإقليمي والدولي لا يسمح بتغيير جوهري في الوضع السائد الآن. لذلك أرى أن استمرار الستاتيكو هو المآل، على الأقل، في المدى المنظور، وهو السيناريو الأكثر احتمالا.
  – كيف تنظر إلى حصيلة حكومة حزب العدالة والتنمية؟
إن المشهد السياسي المغربي سوريالي عبثي كما تبين ذلك المؤشرات التالية:
–أحزاب يفترض أنها من مرجعيات مختلفة (اصولية، لبرالية، “شيوعية”) وأخرى لا طعم لها تشكل اغلبية حكومية وتتصارع فيما بينها
–أحزاب تتكاثر كالفطر عند اقتراب كل موعد انتخابي
–تحالفات متقلبة لا يتجاوز عمرها عمر الزهور بين أحزاب مختلفة
–حزب يصبح اغلبيا بين عشية وضحاها في غياب أي رصيد تاريخي أو نضالي
–أحزاب تتنافس على خدمة المخزن متنكرة لبرامجها الانتخابية
هذا الواقع يجد تفسيره في كون المشهد السياسي مجرد مسرح كراكيز تديره من بعيد وفي الخفاء أيادي المخزن. فالأحزاب التي تؤثث المشهد السياسي لا تمتلك قرارها، ما عدا، ربما، في التفاصيل والقضايا الثانوية.
المخزن هو الذي يهندس الخريطة السياسية والتحالفات بين الأحزاب والأغلبيات الحكومية، بل يختار داخل الأحزاب من يليق لهذا المنصب أو ذاك. والدستور الذي يتغنى به البعض يشرعن ذلك. فالحكومة لا تحكم والبرلمان مجرد غرفة تسجيل والمحاسبة التي أقرها الدستور غائبة.
وتوجد، لحسن حظ بلادنا، قوى سياسية مناهضة للمخزن فاعلة ومتواجدة في ساحة النضال ومنغرسة، إلى هذا الحد أو ذاك وسط الشعب، بالرغم من التضييق والحصار والقمع ومحاولات عزلها عن محيطها الطبيعي.
9 – ما هو موقفك من نوع القُطبية الذي يستثب في المشهد السياسي المغربي بين حزب إسلامي هو العدالة والتنمية وجزب السلطة هو “البام” هل هذا أمر صِحِّي بالنسبة للمشهد المذكور أم لا؟
أتساءل إلى أي حد هذه القطبية التي تتحدث عنها بين العدالة والتنمية والاصالة والمعاصرة هي حقيقية ما دام الحزبان منتوجان مخزنيان بامتياز. أليست، إلى حد بعيد، نوعا من زرع الروح، بشكل مصطنع، في مشهد سياسي يتسم بالبؤس والانحطاط؟ أكيد أن لكل واحد منهما وظيفة محددة بعناية لخدمة اجندة المخزن: فالأول يستعمله المخزن لضرب تأثير الحركة الأصولية كما فعل من قبل مع اليسار خلال فترة “التناوب التوافقي” المزعوم، والثاني يوظفه لجر بعض “اليساريين” و”الديمقراطيين” إلى صفوفه تحت يافطة مخادعةهي الدفاع عن الحداثة والتي لا تتجاوز بعض الضجات الإعلامية. ولا يجب أن ننسى أنه كحزب مخزني يحمل، في جيناته، العداء للحداثة الحقيقية. إن الحداثة التي يريدها المخزن لاتختلف عن “الديمقراطية”التي يطبقها أي أنها طلاء صوري يخفي الاستبداد والتخلف والتقاليد البائدة يسوقه النظام إلى الخارج.
11 – ما هو توقعك للخريطة السياسية المغربية ما بعد الانتخابات التشريعية القادمة؟
يصعب التنبؤ بالخريطة السياسية المغربية بعد الانتخابات لأن هذه الأخيرة أصبحت عبثية أكثر من السابق. ولذلك أتوقع أن يقاطعها الشعب المغربي بشكل عارم. أعتقد أن العدالة والتنمية ستتضرر من هذه المقاطعة لإن العدل والإحسان قد يصبح أكثر حزما في مقاطعته الانتخابات. من جهة أخرى، سيؤدي حزب العدالة والتنمية فاتورة دفاعه الاهوج ومساهمته المتحمسة في فرض إجراءات اجتماعية لا شعبية وتزكيته للقمع ضد الحركات الاحتجاجية والقوى المناضلة. ويبقى دور المخزن أساسيا في صنع الخريطة السياسية من خلال التزوير (رفض اشراف لجنة وطنية ولجان جهوية وإقليمية ومحلية على الانتخابات بدل وزارة الداخلية، رفض الغاء اللوائح الانتخابية والتصويت بواسطة بطاقة التعريف الوطنية) وغض الطرف عن استعمال المال والضغط على المواطنين، خاصة في البوادي، قوانين وتقطيع انتخابي يخدم القوى الموالية للمخزن. وفي جميع الأحوال، يبقى المخزن في وضع مريح لتشكيل الأغلبية الحكومية التي يريد لأن جل القوى المشاركة في الانتخابات تأتمر بإمرته.
 – كيف تنظر إلى حصيلة حكومة حزب العدالة والتنمية في الحكومة؟
حصيلة حزب العدالة والتنمية في الحكومة إيجابية جدا بالنسبة للكتلة الطبقية السائدة والمخزن والإمبريالية:
فالكتلة الطبقية السائدة استفادت من الامتيازات والإعفاءات الضريبية ومن سياسة “عفا الله عما سلف” التي مكنتها من تبييض الأموال التي هرَّبتها للخارج ومن السياسيات الاقتصادية (الغلاء) والاجتماعية النيولبرالية التي تعمق هشاشة الشغل وتسمح بالتالي بمراكمة الأرباح.
أما المخزن، فقد ساعده في محاولاته إقبار حركة 20 فبراير وسعيه تمرير إجراءات اجتماعية لا شعبية هو في أمس الحاجة إليها لضمان ما يسمى بالتوازنات الماكرو-اقتصادية وبالتالي نيل رضى المؤسسات المالية الإمبريالية.
واجتهدت هذه الحكومة في التطبيق الحَرفي لتوصيات هذه المؤسسات المالية وزكَّت، على الأقل، المغامرات العسكرية للنظام في إفريقيا خدمة لمصالح الإمبريالية الفرنسية وفي اليمن خدمة لمصالح الإمبريالية الامريكية والسعودية وأنظمة الخليج.
أما بالنسبة للشعب المغربي، فالحصيلة كارثية بكل المقاييس:
–تردي مريع للأوضاع الاجتماعية: الغلاء بسبب شبه تصفية صندوق المقاصة وزيادة الضريبة على القيمة المضافة على العديد من المواد والخدمات، وتصفية متسارعة لما تبقى من خدمات اجتماعية عمومية (التعليم، الصحة، السكن)، التسريحات من العمل وتفاقم البطالة، خاصة وسط حملة الشواهد…
–تعنت غير مسبوق في معالجة المطالب الشعبية، آخر مؤشرات ذلك التعامل بعنجهية لا تُتصور مع نضال الأساتذة المتدربين ورفض أو تمييع الحوار مع النقابات.
–انحطاط النقاش السياسي الذي يطغى عليه السب والقذف واستعمال لغة منحطة والديماغوجية والشعبوية والغوغائية.. مما يُفاقم نفور الشعب من السياسة ويساهم في التيئيس.
– اندلعت في الأيام القليلة الماضية قضية ما بات يُعرف ب”باناما بابرز” ما هو موقفك من تورط الملك من خلال كاتبه الخاص في هذه القضية من خلال ما يُثبت ضلوعهما في تهرب ضريبي وتبييض للأموال؟
ليست هذه أول مرة يتورط فيما محيط الملك محمد السادس، وتحديدا كاتبه الخاص، في فضائح مالية. لكن تمر العاصفة ولا شيء يتغير لأننا نعيش في ظل الاستبداد والحكم الفردي المطلق حيث غياب المحاسبة والافلات من العقاب هما السائدين. لذلك لا بد من تصعيد النضال ضد الاستبداد والفساد والذي كان لحركة 20 فبراير الشرف في أطلاقه.
إن ما يتم كشفه من فضائح ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، لأن ما تنهبه الكتلة الطبقية السائدة والمخزن أكثر بكثير من ذلك. لذلك حين يدعي الخطاب الرسمي أن لا مفر لحل الأزمات الاقتصادية من التقشف على حساب الجماهير الكادحة والذي يصل حد حرمان أبناء الشعب من حاجيات أساسية كالتعليم والصحة والشغل والسكن، نقول إن المغرب يتوفر على ثروات لو استُعملت لصالح الشعب عوض أن تُسرق ويُهرب جزء منها نحو الجنات الضريبية لتم التخفيف، إلى حد لا بأس به، من هذا التدهور المفجع والمستمر لأوضاع الاغلبية الساحقة من الشعب.
كلمة أخيرة؟
شكرا لموقعكم الذي أتمنى له المزيد من النجاح في عمله الصحفي النبيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق