الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

احياء صناعية عشوائية../ملف الاتحاد الاشتراكي

تراخيص «كوريات» تُشيد بها أحياء صناعية كبرى بالدار البيضاء
أكثر من 1000 معمل سري على مساحة 168 هكتارا!

العربي رياض

انتقلت
الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية، إلى درجة عالية في عالم الاقتصاد
العشوائي، فهذه الجهة التي تحتضن خمس مناطق صناعية معترفا بها رسميا
(البرنوصي ـ عين السبع ـ المحمدية ـ ليساسفة ـ مولاي رشيد وبوسكورة)،
تنتشر بها أضعاف هذه المعامل الرسمية في مختلف الأحياء والتجمعات السكنية!
ففي كل صباح، ترى أسراب الأجساد تتسلل إليها أمام أعين الساهرين عن الأمن
وعن السلامة... دون أن تُتخذ إجراءات بشأنها... أحد المستثمرين صرح لنا
بهذا الخصوص بأن وزير الداخلية إبان الكارثة التي عرفها مصنع ليساسفة، صرح
بأن بالدار البيضاء خمس مناطق صناعية ،أي أن الدولة لا تعترف إلا بهذه
المناطق، ومع ذلك تترك النشاط الاقتصادي العشوائي ينتشر في أحياء المدينة
دون أي تدخل من جهتها!
في الحقيقة، الأمر لا يتوقف على المصانع
العشوائية المتوزعة على الأحياء والشوارع، بل التسيب وصل الى حد خلق أحياء
صناعية عشوائية كبرى، في كل من مناطق مديونة، تيط مليل، بوسكورة، دوار
لمكانسة، دوار لحفايا والهراويين .. والكل يعلم بها ، من الوزير الأول الى
الوزير 42 ، إلى الوالي، إلى العمال، إلى القياد وكولونيلات الدرك
والكوميسيرات و «الدياجي» والمقدمين والشيوخ...
المصانع العشوائية بهذه
المناطق، أحدثها ، وبتواطؤ مع جهات في السلطة، رؤساء جماعات وبرلمانيون!
نعم برلمانيون ومسيرون في المدينة، حيث حولوا هكتارات فلاحية إلى مصانع
عشوائية، لا تفتقر فقط إلى شروط السلامة، ولكنها لا تتوفر لا على «الواد
الحار» ولا على طريق ولا وسائل نقل ولا مراكز قريبة للوقاية المدنية ولا
أي شيء.
تستقبل هذه «المصانع» يوميا آلاف العاملين لا يتوفرون ولا على
دليل واحد يثبت أنهم يعملون في مصنع، يتعرضون يوميا إلى برنامج «سلب
الحقوق»، منهم من تبتر أصابعه ومنهم من يتعرض للسب ، ومنهم من يتعرض حتى
للموت ويُرمى به خارجا، لأن صاحب المصنع /الشبح لا يتوفر على تأمين، وكيف
سيكون له التأمين ومصنعه لا يمر منه حتى «الواد الحار»؟
العجيب أن
بعض محدثي هذه الأحياء الصناعية هم من جاء إلى البرلمان يوم الكارثة، وطرح
أسئلة التضامن والاهتمام بالضحايا وتعويضهم عن الأضرار.. الى غير ذلك من
الأسئلة والملاحظات! آلاف المصانع تنتشر في هذه المناطق، لا تحترم حتى
المسافة المطلوبة فيما بينها، إذا ما وقع حادث لن تجد سيارات الإسعاف
وغيرها ممرا تصل من خلاله الى المصنع المتضرر، فالطريق الفاصلة بين
المصانع في هذه المناطق لا تتعدى ثلاثة أمتار في أحسن الأحوال... تقوم هذه
المصانع بإنتاج كل المواد بما فيها الغذائية، تستعمل مياه الآبار ولا يعلم
أحد إن كانت مياهها صالحة و خاضعة للمراقبة الطبية! أحد المواطنين كان قد
تقدم للمسؤولين بشكاية ونشر شكايته هذه عبر وسائل الإعلام، قال فيها بأنه
أصيب بآلام حادة على مستوى البطن ولما توجه إلى الطبيب وبعد الفحوصات،
تبين أن المشتكي يتناول كثيراً قطع الثلج مع العصير ومشروبات أخرى، خصوصا
الكحولية، وبعد البحث، تبين بأن قطع الثلج هذه تصنع في معمل عشوائي بتراب
بوسكورة من مياه الآبار، وكلنا نعلم تلوث فرشة الماء ببوسكورة من جهة،
نظراً لانتشار المعامل ، ومن جهة أخرى، تأثير المطرح البلدي لمديونة عليها.
قطع
الثلج ليست الوحيدة التي تصنع هناك، هناك كذلك «الكاشير»، و الجبن ، بعض
أنواعه المعروفة تصنع في هذه الأراضي، بالإضافة إلى بعض أنواع
«البيسكوي»..!
كيف بنيت هذه الأحياء الصناعية ومن يقف وراءها؟
سنذهب
إلى نموذج دوار لحفايا بمنطقة أولاد حدو لنجد بأنه في زمن قياسي تحول إلى
حي صناعي يضم أزيد من 500 مصنع، كلها بنيت بترخيص لبناء إسطبل «كوري».
مؤخراً، قامت لجنة من عمالة النواصر بزيارة إلى دوار الحفايا ، حيث وقفت
على الخروقات العمرانية وانتشار الأبنية فوق أراض فلاحية. وعلمنا بأن
السلطات استدعت رئيس جماعة بوسكورة وحمّلته مسؤولية ما يقع بتلك المنطقة،
خصوصا وأن عرّاب الأبنية هناك هو شقيقه رئيس مقاطعة عين الشق، كما أن معظم
الأراضي التي شيدت عليها تلك الأبنية اللاقانونية هي في ملكية عائلة رئيس
الجماعة!
في السياق ذاته تم استفساره عن أسباب امتناعه عن التأشير
لفائدة المستثمرين الحاملين للرخص الاستثنائية من أجل بناء مشاريعهم هناك
بشكل قانوني، حيث تبين من خلال مراسلة للمركز الجهوي للاستثمار، أن كل
المصالح والجهات والجماعات والمقاطعات تعطي موافقتها على مثل هذه التراخيص
باستثناء جماعة بوسكورة! اللجنة التي كانت مشكلة من ممثلي مختلف المصالح
التابعة للولاية ، بالإضافة الى رجال الدرك، أعدت تقريراً في الموضوع
ووضعته لدى السلطات، التي راسلت بدورها وزارة الداخلية ، وقد تضمن التقرير
كل تلك الخروقات. وبإطلالة على المنطقة، نجد بأن دوار الحفايا أولاد
العياشي ، وبقدرة قادر، تحولت جل أراضيه الفلاحية الى هنكارات ومصانع
وفيلات ومساكن عشوائية، وقد تم ، وفي غفلة من الجميع ، بناء أزيد من 500
هنكار منها ما تم بيعه، ومنها ما تم كراؤه ، وتدر هذه الهنكارات على
أصحابها ما يزيد عن 30 مليون سنتيم شهرياً!
وحسب العارفين بخبايا هذا
الملف، فإن صاحب الأرض كان يتقدم بطلب الحصول على رخصة بناء إسطبل باعتبار
الأرض فلاحية ، ويتم استغلال تلك الرخصة في بناء الهنكارات، وقد فاق اليوم
عدد المصانع هناك العشرين مصنعاً ،بالإضافة الى الهنكارات، وبتصفح الرسم
العقاري رقم C / 16162 ، سيتم اكتشاف كل العقود بما فيها التقييدات
الاحتياطية!!
ومعلوم أن منطقة اولاد حدو ، تحولت قبل سنوات إلى مقصد
لكل بارونات البناء العشوائي، وخلال الحملة التي استفاقت لها الدولة ، في
بداية الألفية الجديدة ، لم يتم الوصول إلى كل المتورطين في هذه الآفة ،
التي استحالت معها بوسكورة واولاد حدو إلى عاصمة العشوائيات تنشط داخلها
مصانع كبرى تدر الملايير على أصحابها!
وللتذكير ، فإنه خلال اعتقال
«التقلية» ، على خلفية التورط في البناء العشوائي بالمنطقة ، كان قد قدم
إلى المسؤولين لائحة تضم الأسماء المتورطة في ملف الأبنية العشوائية، سواء
ببوسكورة أو بمنطقة اولاد حدو، دون أن تطالهم التحقيقات !
اللجنة
المذكورة لم يظهر لنتائجها أثر إلى حدود اليوم ، وربما عند حدوث كارثة ما
في هذه المنطقة ستخرج محاضرها الاحتياطية لتبرئة ذمتها!
في هذه
المنطقة ومنطقة سيدي مسعود، علمنا بأن مسؤولي الدرك رفعوا تقريرا يحذرون
فيه المسؤولين من إمكانية انتشار الأوبئة بفعل التعفن وغياب وسائل النظافة
والوقاية وغياب الواد الحار...
وبالعودة الى موضوع السلامة بمختلف
الأحياء الصناعية بما فيها المعترف بها، صرح لنا أحد العارفين بأمور
التراخيص وغيرها، بأن المسؤولية دائما يتحملها صاحب المصنع دون أن نلقي
باللوم على باقي المصالح المرخصة، وذهب إلى حد تحميل الوقاية المدنية
مسؤولية الحادث الأخير، لأنها لا تقوم بالمراقبة بشكل مستمر رغم أنها من
المرخصين لإقامة هذا المصنع هناك!
بالفعل في مثل هذه الكوارث تختلط المسؤوليات ويتم تعويم الحقائق، وبسهولة يتم البحث عن كبش فداء يتحمل العواقب كلها...
وإذا
عدنا إلى الأحياء الصناعية المعترف بها من طرف الدولة، سنجد بأن الحي
الصناعي مولاي رشيد والحي الصناعي ليساسفة، لا يتوفران على مركز للوقاية
المدنية، التي يوجد مقرها الأول بالقرب من مقبرة الشهداء والثاني بأنفا ،
وعلى عكس ما صرح به وزير الداخلية بأن الوقاية المدنية وصلت في دقائق
معدودة، فإن واقع اكتظاظ السير في الدار البيضاء يفند ذلك، إذ على شاحنة
الوقاية إن أرادت الوصول عبر الأوطوروت إلى مكان الحادث، قضاء ما يربو عن
ربع ساعة، وهي مدة كافية لكي يموت العشرات ويختنق المئات.
المركز الخاص
بالوقاية المدنية بالحي الصناعي مولاي رشيد، تم بالفعل تشييده من طرف بعض
المنعشين العقاريين بمبلغ 5 ملايين درهم، وكذلك الشأن بالنسبة لمركز
ليساسفة وتم تدشينهما من طرف المسؤولين لكنهما ظلا مقفلين الى اليوم!
بعض
رجال القانون صرحوا لنا بعد هذا الحادث بأن المسؤوليات يجب أن تحدد، ويجب
أن يتم التعامل بكل وضوح في مثل هذه الأمور، ومن بين المطالب التي ذهب
إليها هؤلاء هو فصل الوقاية المدنية عن الداخلية وإحداث مؤسسة خاصة بها،
حتى تتم محاسبتها، ومن أجل تطوير أدائها، وذهب البعض الآخر إلى أنه في
مجال تشييد المصانع والمعامل، يجب إحداث مكاتب خاصة ومختصة تضع التصاميم
الوقائية التي يجب أن يحترمها أصحاب المعامل وينفذوها، وأن يظل جهاز
الوقاية المدنية هو المراقب الدائم لهذه الأمور
.

 ..........................
 2008/3/5

عمال من الدرجة الثالثة يعانون التهميش ، ويخافون تكرار فاجعة «روزامور»...

أقبية تتحول إلى معامل في عاصمة الاقتصاد
خالد ماهر
«كأنما لفظتهم الأرض، انبعثوا من جوفها على حين غرة، كسروا الجمود والهدوء في حي الأسرة.
يرون أنفسهم عمالا من الدرجة الثالثة، لا يعيرون اهتماما لعيد الشغل، يستحسنون الراحة فيه فقط، ويؤكدون قتامة ظروفهم.
خوف العاملات من الزيت والدقيق يدفعهن لتقديم تنازلات ولو على حساب راحتهن.
الأقبية تتحول إلى معامل، في غياب شروط السلامة الذي قد يجعل شبح «روزامور» يحلق في سماء حي الأسرة...»




كان
يجلس وحيدا على عتبة أحد المنازل بشارع الطاح الذي يخترق حي الأسرة، في
مقاطعة عين الشق بالدارالبيضاء، ملابسه رثة وملامحه بدوية، شعره كث،
وأسنانه بنية اللون.
بادرنا «م ب» ونحن نمر قربه بالسؤال عن معامل تبحث عن عامل.
فتى لم يبلغ السابعة عشر من عمره ، أفاد بأنه ينحدر من أحد الدواوير بقيادة سيدي عبد الله غير بعيد عن «مشروع بنعبو» بالرحامنة.
يريد العمل ولا يهمه المكان الذي يتواجد فيه المعمل.
«كنعرف
نقطع» يجيب «م ب» عن سؤال حول المؤهلات التي قد تجعل منه عاملا هنا بحي
الأسرة، فهو لا يريد الابتعاد عن دوار نبيل حيث يقطن منذ ثلاثة أشهر مع
قريب له هناك.
طرق العديد من الأبواب ، والحظ يجانبه حتى لحظة لقائنا
به عند منتصف نهار يوم الأربعاء، انقطع عن الدراسة في المستوى الثالث
الابتدائي، وبخط رديء وكتابة غير سليمة، يخط اسمه وعنوانه على ورقة، قال
بأن بعض من التقاهم أشاروا عليه بالتوجه إلى حي الأسرة لطلب العمل.

منازل لا تعكس ما يدور في «جوفها»..
أكثر
من 500 من المعامل الصغيرة تجد لها مكانا في حي الأسرة المتربع على رابية
تبدو من قمتها المدينة بأجواء رمادية رغم البياض الذي يطبع اسمها.
محلات تجارية تظهر أبوابها صماء، وهدير آلات الخياطة لا يصل آذان ضعاف السمع.
كانت
الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، أزقة الحي تسبح في السكون، يحده غربا
وشمالا حي ياسمينة، وجنوبا حي الفتح، أما في شرقه فمن بعيد تبدو أحزمة
الفقر المتمثلة في دواوير التقلية، المكانسة، ونبيل.
أسيجة وقضبان
حديدية مدببة تحيط بخلفيات أغلب المنازل، مساحة عرضها يزيد عن الخمسة عشر
مترا تفصل بين خلفيات هذه الدور، ألواح بلاستيكية غير شفافة تمنع رؤية ما
يدور وراء هذه الحواجز.
يكاد ينعدم ذبيب البشر وحسهم، الأبواب موصدة، والمنازل لا تعكس ما يدور في أقبيتها.
توالت الدقائق وحلت الثلاثون منها بعد الثانية عشرة.
أعداد كبيرة من العاملات والعمال، بدأت في الخروج من خلفيات بعض المنازل، كأنها انبعثت من تحت الأرض.
تغير السكون لحركة هنا، الأبواب تفتح تباعا والحشود عددها في تزايد.
بعض العمال راحوا يمشون بخطوات مسرعة يقصدون الدواوير المطلة على حي الأسرة، وعاملات يحملن أكياسا بها وجبات الغداء، كما يبدو.

الفاصوليا، الكرعين، والسردين المقلي
عاملات
يرتدين وزرات وعمال سخروا ملابسهم للعمل، يقصدون محلا لبيع مشتقات الحليب،
بجواره مطعم صغير يقدم أطباق الفاصوليا، الكرعين، والسردين المقلي.
يخضن في الحديث وهن ينتظرن أطباقهن، يردن فسحة كلام تنسيهن وطأة العمل، قربهن يجلس محمد، ترتسم على وجهه أمارات التعب.
آذان
صلاة الظهر يخترق الآذان وهو ينبعث من مسجد «الحاج حسن» الذي يتربع وسط حي
الأسرة غير بعيد عن دار الاذاعة والتلفزة لعين الشق.
يؤكد أن الأجر الذي يقبضه العاملون حسب الأعراف السائدة في حي الأسرة، محدد في 400 درهم عن كل أسبوع عمل.
يجيد محمد الخياطة على آلات الخياطة السورجي والبيكوز، والبلاكاج.
حسب
محمد ، فالحظوظ للحصول على عمل تقف إلى جانب النساء، ليس لشيء غير أنهن
يقبلن الأجر المقترح من رب العمل دون تردد، يؤكد أنهن لا يتفاوضن حوله،
فمبلغ همهن هو الجلوس على كرسي الآلة، حتى لو كان ذلك في ظروف غير قانونية!

أقبية تحولت لمعامل..
معظم المعامل في حي الأسرة هي ليست غير أقبية تحت جل منازل الحي.
الأبواب التي يخرج منها العمال ضيقة، وكوات التهوية بالكاد تسمح بدخول الهواء داخل المعمل.
محمد يقول إن أنشطة الخياطة تختلف بين خياطة السراويل «الدجين، الفصالة» وبين الأقمصة، والملابس الرياضية...
وتقتسم كميات مهمة من اللاواط، الذي يستعمل في حشوالسترات والملابس الرياضية، أرضية المعمل حيث يشتغل محمد، على حد إشارته.
ينفي أن يكون مسجلا بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو مؤمنا عليه، مما يجعل خوفه من الزواج يكبر يوما بعد آخر.
«واش
ناخد بنت الناس نتكرفس عليها؟» سؤال يفيد النفي طرحه محمد وهو يشيح بوجهه،
محاولا إخفاء غصة احتلت حلقه، فهو يرى أن أجر 400 درهم أسبوعيا لا يكفيه
وحده فكيف إن كان الأمر يهم أسرة؟

«محاربة الخيوط الزائدة»
يهرول حسن وهو يقصد «محلبة» مجاورة، ضعيف البنية، قامته قصيرة، وبعض البتور تعلو جبهته، يضحك وهو يستفسر حول الغرض من الأسئلة.
يتحفظ قليلا لكنه يلين، ليجيب بأنه ينحدر من عبدة، لم يشأ تحديد الدوار، واكتفى بالإشارة إلى قربه من مدينة آسفي.
يقبض 250 درهما كأجر أسبوعي لكنه يرى نفسه أحسن حالا وقد تجاوز مرحلة البدء في المعمل، حين كان «محاربا للخيوط الزائدة».
وصف يتهكم به العاملون هنا في هذا الحي على وظيفة «الفينيسيو» التي تفي بإزالة الشوائب وما يلتصق من خيوط بما خيط.
أجر هذه الوظيفة هو الأدنى، يحتقره أرباب العمل، لكن له أهمية كبرى في «LA CHAINE»، التي تضم أكثر من 30 عاملا، يستدرك حسن.
لا يريد أن يبخس الوظيفة أهميتها، وقد قضى أشهرا وهو يزاولها، لحين تعلمه مداعبة دواسة آلة الخياطة.

مساكن في باطن الأرض
يقطن حسن في «المكازة» كما أجاب، وهي قبو غير بعيد عن محل عمله.
يشير إلى أن أغلب أصحاب منازل حي الأسرة يعمدون إلى كراء أقبيتها، بعد أن تكون قد جُعل منها حجرات ضيقة للكراء.
أكثر من خمسة أفراد يعيشون في حجرة لا تتسع لاثنين، ينعدم فيها الهواء، وتستشري فيها الروائح العطنة والرطوبة، كما يوضح حسن.
ثمن كراء الحجرة يتراوح بين 700 و800 درهم حسب قربها من المرحاض والباب أم لا.
لم نستطع غير أخذ صورة لمدخل أحد الأقبية الذي كان بابه موصدا.

«الزيت والدقيق ماكيرحموش»
يبتديء
العمل في المعامل هنا في الساعة الثامنة صباحا، ينتهي عند الساعة السابعة
مساء، وفترة استراحة لتناول الغداء يستفيد منها العاملون تمتد من الثانية
عشرة والنصف إلى الثانية زوالا.
امتنعت العاملات عن الكلام حول أشياء عدة، كن يتهربن من الإجابة.
يخفن شرا قد يطالهن من أرباب عملهن إن هن سمحن بأخذ صورة لهن.
أغلبهن يتابع أخبار أشهر معمل في الدارالبيضاء، و يختلفن في الحصيلة النهائية لضحايا «روزامور».
يُجمعن على أن ظروف الحياة القاسية تجعلهن يقبلن، ولو على مضض، بالعمل كيفما كان الأجر الذي عادة ما يمليه صاحب العمل.
«الزيت والدقيق ماكيرحموش» إحداهن تحيل إلى غلاء الأسعار، الذي يزيد من قتامة وضعية عمال من الدرجة الثالثة.
ينفين أن تكون معايير السلامة على أحسن مايرام في أغلب المعامل، يرين
حقوقهن مهضومة، ويؤكدن أن بعض أرباب المعامل يشكلون استثناء في حسن
التعامل.
عضت إحداهن على شفتيها، لا تريد تخيل المعمل الذي تشتغل
فيه، كـ «روزامور»، تغمض عينيها محاولة وقف شريط تخيلها، وتبتهل إلى الله
لئلا يحدث ذلك.
تذكرنا «م ب»، حتما لا يعرف ما ينتظره وراء جدران
المعمل، قال إنه يعرف «القطع» فقط، وعلى ما يبدو فالفينيسيو ستكون مهمته
الأولى في المعمل الذي سيشتغل به بأجر شهري قد لا يتجاوز 500 درهم.
لا يعرف «م ب» يوم عيد الشغل، كل همه الحصول على عمل، ولا يعرف في الحياة حقا غيره كيفما اختلفت الظروف...
ودعنا حي الأسرة، بعد حلول الثانية زوالا، كانت فلول العاملين تتفرق وتتبلقن، كل يقصد وجهته، ليعم الهدوء.
كانت الأرض قد ابتلعتهم
.

2008/3/5
محرقة روزامور : المفارقة بين النص والواقع
يونس مجاهد

من
أية زاوية يمكن أن نعالج فاجعة «معمل» روزامور؟ هل هي مأساة اجتماعية؟ هل
هي جريمة إنسانية؟ هل هي خرق لقانون الشغل؟ هل هي خرق لقوانين السلامة؟
إنها حتما كل هذا وأكثر. فهي تلخص إلى أي حد، مازال الفرق شاسعا بين كل
النصوص المكتوبة، سواء كانت قانونية أو إجراءات إدارية، وبين ما يحصل على
أرض الواقع.
من المؤكد أن الاجتهاد في وضع قوانين عصرية ومناقشتها في البرلمان ونشرها بعد ذلك في الجريدة الرسمية أمر هام.
غير أن الأهم من ذلك هو تطبيق هذه القوانين ومراقبة تنفيذها.
وإذا كانت فاجعة روزامور هي أولا وقبل كل شئ ذات بعد إنساني، فإنها أيضا
تستدعي المراجعة الشاملة لكيفية تطبيق الترسانة القانونية التي تنظم ميدان
الشغل ومعايير السلامة والوقاية، بالإضافة إلى كل القوانين الأخرى المنظمة
لاستغلال الأمكنة الصناعية وغيرها من التدابير التي تزخر بها القوانين
المغربية.
السؤال الكبير والعريض الذي لابد من طرحه الآن: لماذا لم تطبق هذه القوانين ومن المسؤول عن عدم تطبيقها؟
هناك لجنة وزارية تشتغل الآن لتحديد المسؤوليات، غير أنه من اللازم الآن للبرلمان أن يتحرك وأن تتشكل لجنة لتقصي الحقائق.
وقبل هذا وذاك، من الآن يمكن للإدارات المكلفة بمراقبة تنفيذ القوانين
المتعلقة بالشغل والوقاية واحترام قوانين التعمير والمناطق الصناعية أن
تشتغل من اليوم. فلديها كل الصلاحيات لإرغام المخالفين على تطبيق النصوص.
لذلك، فإن نتائج البحث الذي ستجريه اللجنة الوزارية لا يمكن أن تكون جدية
إذا ظلت محدودة في تحديد بعض المسؤوليات على المستوى المحلي. فهذا تحصيل
حاصل. لأن من أعطى رخصة إقامة معمل في عمارة، ومن رخص باستغلالها دون
احترام معايير السلامة ومن لم يراقب مدى احترام أصحاب المعمل لقوانين
الشغل، ومن أغمض عينيه من سلطات محلية ومنتخبين على هذا الوضع، كلهم
مسؤولون.
هذا واضح ! ما يمكن أن ينتظره الرأي العام من لجنة وزارية هي أشياء أكبر وأعظم من كل هذا !
على اللجنة الوزارية أن تقدم للرأي العام تقييما شاملا حول مدى التزام
المقاولات باحترام القوانين، ومراجعة مساطر التنفيذ وكيفية المراقبة.
أما تحديد المسؤوليات المحلية، فإن على القضاء أن يفتح ملفا خاصا بهذا
الشأن، وعلى الإدارات أن تتخذ الإجراءات التأديبية الضرورية، حيث أنها
تتوفر على كل النصوص والتدابير التي تسمح بذلك !
وبموازاة اللجنة
الوزارية، هناك البرلمان، الذي لا يمكن أن يظل صامتا أمام محرقة روزامور.
عليه أن يتحرك لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، ليس حول المسؤوليات المحلية
وحدها، بل أيضا حول المسؤولية الوطنية فيما حصل.
على البرلمان أن
يتحمل مسؤوليته ليقول للأمة، لماذا خرقت القوانين التي صادق عليها ومن
المسؤول عن عدم حمايتها، وكيف يمكن تجاوز هذا الخلل الكبير؟
وإذا كان
من اللازم على الحكومة وعلى البرلمان أن يقوما بدورهما المخول لهما، حسب
الدستور، فهناك مؤسسات أخرى، يعطي لها الدستور أيضا صلاحيات هامة، وهي
النقابات والأحزاب والجمعيات. وهي أيضا لها واجبات وحقوق. واجبها تأطير
المواطنين والسهر على احترام القوانين، وحقوقها هي من صميم الاعتراف بحقوق
منظمات المجتمع المدني. وهذا أمر ليس عبثي، بل إنه من مقومات الديمقراطية.

وإذا كانت النقابات اليوم تشدد على ضرورة احترام الحق النقابي، الذي
يعني مدى مراقبة الالتزام بحقوق الشغل ومعايير السلامة، فلإنه عبر هذا
الحق يمكن لممثلي الشغيلة لعب دور أساسي في مطابقة النصوص مع الواقع.
لو كانت الحقوق النقابية محمية في معمل روزامور لما حصلت الفاجعة. وربما هذا هو أكبر درس ينبغي أن تتأمل فيه اللجنة الوزارية!

2008/3/5

شركات ومعامل سرية في أحياء تطوان
أحياء تتخصص في احتضان نوع من المعامل السرية
مكتب تطوان


أكدت
محرقة «روزامور» التي استفاقت عليها مدينة الدار البيضاء يوم السبت
المنصرم، والتي استفزت الشعور الجماعي للمغاربة قاطبة، أن المغرب يتوفر
على العديد من القنابل المؤقتة المجسدة في المعامل والمؤسسات الإنتاجية
السرية، حيث ان شركة «روزامور» للأفرشة والرياش واحدة منها.
إذ لا تخلو مدينة مغربية من هذا الواقع المر الذي أصبح يجثم على اقتصاد المغرب والجماعات المحلية.
فمدينة
تطوان، ونظرا لقربها من أوربا، ونظرا لهشاشة اقتصادها، أصبحت تضم العديد
من المؤسسات الصناعية الانتاجية التي تعمل في السر، وبمباركة في بعض
الاحيان من السلطات المحلية، إذ كيف لمعمل أو مصنع متواجد في قلب تجمع
سكاني يحج إليه المئات من العمال والعاملات صباح مساء. لا يمكن له أن يصل
الى مسامع شيخ ومقدم الحي التي ترصد كل كبيرة وصغيرة.
فأحياء تطوان أصبحت تتخصص في تفريخ هاته المعامل السرية،و هكذا أصبحنا نجد كل حي من الاحياء يتخصص في نشاط اقتصادي وتجاري.
فأحياء
مثل جبل درسة وكويلمة تضم معامل سرية لإنتاج معدات النظافة مثل جافيل
والماء القاطع، نظرا لبنية الحي الذي يغلب عليه الطابع البدوي مما يجعل
مثل هاته المواد مطلوبة نظرا لانخفاض ثمنها مقارنة مع مثيلتها المتواجدة
بالأسواق المغربية. غير ان هاته المواد تشكل خطورة كبيرة على مستعمليها.
كما ان هاته المعامل تشكل خطرا على سكان الحي المجاورين، وتخلق لهم مشاكل
عديدة على مستوى التنفس. هذا دون الحديث عن عدم توفر هاته المعامل على رخص
لإنتاج مثل هاته المواد. وكذا عدم احترامها لمعايير السلامة والاجراءات
الوقائية.
أما حي طنجاوة فقد أصبح متخصصا في إنتاج الموز والفرولة، قصد
بيعها في أسواق مدينة تطوان. وتعتمد هاته المعامل على تحويل المرائب
والبنايات الى أفران وثلاجات لتسريع عملية نضوج الموز. مما يتطلب استعمال
آلات وتقنيات متطورة وكبيرة، دون مراعاة الشروط الصحية بالنسبة للعمال
المشتغلين في هاته المعامل السرية. كما ان الإشكال الخطير الذي يطرح هو
تملص أصحاب هاته المصانع من الضرائب. حيث يفترض أن يباع هذا المنتوج في
السوق المركزي للخضر والفواكه التابع للجماعة الحضرية لتطوان. غير انه
يذهب مباشرة الى الاسواق العمومية، مما يفوت على الجماعة مداخيل مهمة.
وبخصوص
مصانع الالبسة، وخصوصا منها الداخلية للنساء، فإن أحياء مثل الطوابق
السفلى (التقنية) وكويلمة تعد مجالا خصبا لمثل هاته الانشطة، نظرا لتواجد
اليد العاملة المتخصصة في مثل هاته الحرف وخصوصا منها النساء. ونظرا
لبعدها عن أنظار السلطات، يعمد أغلب أرباب مثل هاته المعامل الى شراء أو
كراء بنايات بكاملها لتحويلها الى مصانع تتكدس فيها العاملات ويعاملن
كالإماء، بل يتم في بعض الاحيان استغلالهن لممارسات مشينة، هذا دون الحديث
عن ساعات العمل المضني مقابل مبالغ زهيدة. أما دفع مستحقات الصندوق الوطني
للضمان الاجتماعي فهو من سابع المستحيلات، على اعتبار أن المعمل هو في
وضعية سرية وغير مصرح به للسلطات.
وتشكل هاته المعامل خطرا دائما على سلامة الاحياء والعاملات على اعتبار انعدام وسائل الوقاية والسلامة.
وفي
السنتين الاخيرتين ظهرت أنشطة جديدة لبعض المعامل والمصانع السرية. وهكذا
بدأنا نجد بعض المعامل السرية لإنتاج البلاستيك، وهاته الانشطة تشكل خطرا
كبيرا على سلامة العمال وأبناء الحي نظرا لقابلية المواد المستعملة
للاشتعال ولعدم استيفائها لشروط السلامة والوقاية. ونجد مثل هاته المعامل
تتمركز في حي التقنية.
والنشاط الثاني والذي يشكل خطورة على صحة وسلامة
العاملين وسكان الحي على السواء هو معامل صهر وتذويب المعادن، خصوصا
النحاس. وتحويله الى سبائك أو لصنع الثريات. ومثل هاته المعامل تتطلب وجود
أفران واستعمال قنينات الغاز وشروط سلامة ووقاية دقيقة. هذا دون الحديث عن
مصدر المواد الاولية، حيث تؤكد مصادرنا ان ظاهرة انتشار سرقة الاسلاك
الكهربائية تعود أساسا بارتباطاتها مع مثل هاته المعامل. حيث يكفي أن نذكر
ان الجماعة الحضرية لتطوان قدرت الكميات المسروقة من الاسلاك الكهربائية
لشبكة الانارة بالمدينة بسبع كيلومترات...؟؟
ولعل القاسم، بل والقواسم
المشتركة بين هاته المعامل والمؤسسات الصناعية والإنتاجية السرية هي
اشتغالها في غفلة من المؤسسات المعنية، مما يجعلها تتهرب من أداء مستحقات
الدولة والجماعة ومن إيفاء العاملين بها حقوقهم القانونية وتعريضهم لأخطار
محذقة قد تكلفهم حياتهم وحياة السكان المجاورين لهم. ولا غرابة إذا ما
استفاق ـ لا قدر الله ـ في يوم من الايام أهل تطوان على كارثة شبيهة
بكارثة روزامور، خصوصا وان جل هاته المؤسسات تفتقد لأدنى شروط السلامة
والوقاية
.

2008/3/5

بالرغم وجود مخطط للحوادث والطوارئ بأكادير
المصانع المزعجة والخطيرة في حاجة إلى تجهيزات وقائية
عبداللطيف الكامل


تتضمن
المنطقتان الصناعيتان بأكادير بكل من انزا وتاسيلا،عدة معامل ومصانع من
بينها المعامل المزعجة والخطيرة والملوثة كمعامل دقيق السمك، ومعمل الغاز،
والمستودعات الهيدوكاربونية،كما تضم معامل أخرى كالخياطة والنسيج(10
معامل) والجلد (5معامل) والنجارة والحدادة.لكن وبالرغم من تواجد هذه
الوحدات المختلفة، فتبقى قليلة جدا بالمقارنة مع نظيرتها الغذائية: معامل
تصبيرالسمك، ومستودعات تجميد الأسماك(46مستودعا ) ،ومعمل المشروبات
الغازية والزيوت، هذا دون الحديث عن الوحدات الصناعية الأخرى بمدينة أيت
ملول...
المعامل المزعجة والخطيرة تحتاج إلى مراقبة صارمة تفاديا لأي حادث.
وبخصوص
سلامة العمال والمستخدمين والتوفر على التجهيزات الضرورية، فقد أفادت
مصادر مختصة،أن معامل التصبير والتلفيف، تتوفر على كافة التجهيزات
والمعاييرالدولية لكونها تخضع للمراقبة من طرف الجهات المستوردة«الإتحاد
الأوروبي»،مثلما هو الشأن بالنسبة للفنادق السياحية التي تخضع دوما
للمراقبة والتصنيف،مما جعل معظمها يتوفرعلى الجودة وبالتالي توفرها على
كافة الشروط الصحية والأمنية والوقائية من الحرائق أوما شابه ذلك.
بينما المعامل الأخرى الخطيرة، فتحتاج إلى مراقبة مستدامة من طرف لجنة
السلامة على صعيد العمالة،واحتياطات كبيرة لدرء خطرالحرائق والإختناقات
المسببة في العديد من الوفيات. وبالرغم من أن جميع المؤسسات الصناعية
المزعجة والخطيرة سيتم تحويلها مستقبلا إلى منطقة بعيدة عن المدارالحضري
لمدينة أكَاديرنظرا للأخطارالتي قد تنجم عنها،فعلى الشرطة الإدارية ومصالح
البلدية والوقاية المدنية ومندوبية الطاقة والمعادن ومندوبية التجارة
والصناعة،أن تكثف من حملاتها المباغتة للمعامل، سواء الملوثة للبيئة لعدم
انضباطها للمعاييرالبيئية المعمول بها دوليا أوغير الخاضعة لشروط السلامة
والوقاية.
فلا يعني البتة أن أية مؤسسة صناعية تتوفر على تجهيزات
عالية ومنافذ قانونية للإغاثة،أنها سوف ستكون بمنأى عن الحرائق،فكثيرمن
المعامل تعرضت لحرائق طارئة ومختلفة،كما حدث بأنزا في نهاية الأسبوع
المنصرم عندما اندلع حريق بمعمل الكارتون لتعليب السردين، ومن حسن الحظ
أنها لم تخلف خسائر بشرية فادحة مثلما وقع في الأسبوع الماضي،بأحد معامل
الأفرشة بالدارالبيضاء.
تجهيزات أساسية يجب توفرها قانونيا في الوحدات الصناعية.
واستنادا
إلى دفترالتحملات وشروط السلامة والوقاية، فمن بين التجهيزات الأساسية
التي يجب توفرها قانونيا في المؤسسات الصناعية بكل أشكالها نذكرما يلي:
- وجود منافذ الإغاثة حسب المساحة المخصصة للمشروع،وطريقة بنايته.
- سلاليم ودروج للإغاثة.
- مطفآت عديدة للإغاثة، كل مطفأة تغطي مساحة 30 مترامربعا.
- صنابيرالإغاثة حسب الأنشطة.
- شبكة مائية من نوع سبينكلير قابلة للإستعمال بالإطفائي أوتوماتيكيا.
- محرك كهربائي احتياطي أوتوماتيكي لتفادي الهلع والخوف،عند انقطاع التيارالكهربائي.
-
وجود فواهات الحريق أمام المؤسسات الصناعية.وفي هذا الصدد خصصت البلدية
اعتمادا ماليا كبيرا بلغ مليون درهم،لإصلاح فواهات الحريق برسم سنة 2008 .
-
ضرورة القيام بتداريب لفائدة العمال والمستخدمين لإستعمال آليات الحريق
الموجودة بالمؤسسة، بتأطيرمن رجال المطافئ والوقاية المدنية.
- ضرورة توفير تهوية سطحية وفوقية.
- ضرورة توفيرمنافذ لتسهيل خروج الدخان عند نشوب الحريق تفاديا للإختناقات التي يمكن تسجيلها داخل المؤسسات الصناعية.
- ضرورة تجريم وزجر كل من خالف تصاميم البناء.
هذا
ورأت مصادرأخرى، أنه آن الأوان،لإشراك وزارة التجهيز والصناعة والطاقة
والمعادن والوكالة الحضرية والمصالح التقنية التابعة لمصالح البلدية
والعمالة، قصد إنجازقوانين صارمة بخصوص الإجراءات الأمنية والوقائية داخل
المؤسسات، سواء تعلق الأمر بالبناية أو التجهيزات الإضافية.وذهب مصدرآخر
إلى ضرورة معاقبة وتجريم كل من أحدث تغييرا في تصاميم أية بناية،إضافة إلى
تحيين قوانين بخصوص إجراءات السلامة والأمن والوقاية داخل المعامل،كما ينص
على ذلك قانون التعمير.فضلا على ضرورة بناء وتشييد المؤسسات الصناعية
الخطيرة كالمستودعات الهيدروكاربونية مثلا خارج المدارالحضري، طبقا للظهير
الشريف لسنة 1914 المنظم للمؤسسات المزعجة والخطيرة.
ونظرا لهذه
الإختلالات المسجلة على الصعيد الوطني بخصوص القوانين والتشريعات المنظمة
للإجراءات الأمنية والوقائية،وكثرة المتدخلين والحرائق،من اللازم الآن أن
تفكر الدولة في خلق مراكز ثانوية أمنية ووقائية لتقريب الخدمات من
المواطنين.وعلى صعيد مدينة أكَادير،على المسؤولين أن يعجلوا بإحداث مركز
للوقاية المدنية بالحي الصناعي بأنزا،المزمع إنجازه من طرف بلدية
أكَاديربعد أن خصصت اعتمادات مالية له.

2008/3/5
مكناس : الى متى.. والدم المغربي .. يتعرض ... للغدر؟!!
حميد العكباني
«لو
كان الامر بيدي، لأعلنت حدادا وطنيا... ولنظمت مسيرة نحو ولاية البيضاء
احتجاجا وحزنا» على إعدام العشرات من الارواح البشرية البريئة!! عن عمد!!
وسبق إصرار!! بمصنع الموت بليساسفة!؟؟ لكن ...ما باليد حيلة... ولا نملك
نحن - العمال من نفس طينة الضحايا - الا الترحم على الاموات / القتلى،
وتعزية ماتبقى من الاحياء...».
بهذه العبارات التي كان ينفثها كالشظايا
في وجهي، استقبلني السيد (ج.ك) عامل سابق بأحد معامل الافرشة بالمنطقة
الصناعية بمكناس... والذي تحول الى بائع متجول بين الاسواق، بعدما نجا قبل
سنوات من موت محقق.. بينما لقي زميل له ربه، وقد تحول جثة مفحمة! بسبب
الحريق الشهير الذي شب في ذلك المصنع..
وهي الفاجعة التي أحاطها
المسؤولون بالعديد من أساليب التكتم والتعتيم!! خوفا على سمعة الاستثمار!!
حتى، ولو كان استثمارا قاتلا!! ولايراعي للعامل أية كرامة!! ولايحترم
الانسان أي حق!! بما في ذلك الحق في الحياة!!
وهذه الفاجعة هي حلقة في
سلسلة فواجع أخرى، مازالت ذاكرة الشغيلة المكناسية، تتذكر بعض فصولها
المؤلمة - يضيف نفس المصدر - منها مصرع عامل بمعمل تصبير وتحميض الزيتون
بالنحيسة، اختناقا واحتراقا بعد سقوطه في حوض... لم يتم انتشاله من أعماقه
إلا وهو جثة مشوهة!! ومنها فاجعة الاخوين اللذين لقيا مصرعهما احتراقا
بقبو مخصص لتطبيب الموز وانضاجه بالكاربون في منطقة الروى!! ومنها فاجعة
عمال البناء الثلاثة الذين قضوا في عملية حفر نفق، قرب إعدادية طه حسين...
هذا بالاضافة الى العديد من حوادث الشغل التي خلفت العديد من العاهات
المستديمة... والتي لم يكن لها من سبب سوى تغييب قانون الشغل، وتسييد
قانون المال والنفوذ!!
وهو الحال يضيف العامل السابق (ج.ك) الذي توجد
عليه المصانع / القبور، المبثوثة على طول مكناس وعرضها، في أحياء السلام -
البرج المشقوق - الرياض برح مولاي عمر - البساتين - حمرية - وجه عروس -
مرجان.. حيث الاقبية تكدس العشرات من العاملات والعمال، وخاصة في قطاع
النسيج.. وراء أبواب ونوافذ مغلقة... وهواء فاسد... وغياب لأبسط وسائل
الوقاية من الحريق او أي خطر مماثل!!
وعن السبب في لجوء بعض أرباب
الشغل الى الاقبية، وسط أحياء آهلة بالسكان!! بدل المصانع بالمناطق
الصناعية، يقول (أ.ج) مسؤول نقابي سابق بأحد المعامل المختص في خياطة
الملابس الجاهزة... الذي أغلق ابوابه سنة 1999 ، بدعوى بطالة تقنية، محددة
الآجال... قبل ان يتحول الى إغلاق دائم، وتشريد كلي ل 650 عاملا وعاملة!!؟
«إن
هناك أسبابا متعددة منها التملص الضريبي، والهروب من تطبيق القانون،
وغيرهما من الاسباب التي تزيدني اقتناعا، بأن عددا لايستهان به من
المستثمرين لدينا، يندرجون في زمرة البورجوازية الطفيلية، و«محظوظي»
اقتصاد الريع.. إلا أن اهم سبب في لجوء هؤلاء الى الاقبية، عوض المصاع، هو
في اعتقادي محاربة العمل النقابي، وتكسير شوكة العمال!! وإلا ماهو تفسير
إغلاق المعمل بدعوى الازمة والافلاس.. مع استمرار صنع نفس المنتوج بنفس
العلامة المميزة؟؟!! والذي تغير فقط، هو العمال!! ومكان العملََََ!!».
ورجوعا
بنا الى يوم السبت الاسود، فإن ماوقع بمصنع الموت بليساسفة، ليس حدثا
معزولا فرضته قوة قاهرة، لا قبل لأحد بصدها.. ولكنه حدث مرشح للتكرار، هنا
او هناك وفي أي وقت وحين!! وليس هذا ادعاء، او إطلاقا للكلام على عواهنه..
وإنما هو معطى تسنده الإحصاءات الرسمية والدراسات، التي تؤكد على أن أكثر
من ثمانين بالمئة (%80) من المقاولات الانتاجية، تنتمي الى القطاع غير
المهيكل!! بينما المقاولات المهيكلة داخل نسيجنا الاقتصادي، لاتمثل سوى
أقل من عشرين بالمئة (%20)، ومن هذه العشرين بالمئة من المقاولات
المهيكلة... لانقف على التطبيق السليم لمقتضيات قانون الشغل الا في %15
منها!! إذن، نحن أمام حوالي %90 من المقاولات لاتحترم القانون في تشغيلها
للعمال!! فمن المسؤول؟؟
الجواب عند من عينه على الإكراميات، وليذهب القانون والواجب الى الجحيم!!
اما المواطنة فتقتضي:
1- ان يكون الاعلام العمومي، في خدمة الوعي، والتحسيس بمخاطر الظاهرة، لا أن يكون أداة للتشييخ والتضييع.
2-
ان يكون هناك تنسيق تام بين المراكز الجهوية والاستثمار، ومندوبيات الشغل
والسلطات المحلية، لتنقية القطاع من مظاهر التوحش، والاستقواء على
القانون، مع تأهيل اعوان التفتيش والمراقبة، بما يجعلهم قادرين على الرصد
العلمي، لكل مخالفات الوقاية والسلامة في العمل.
3- ان تتفرغ أجهزة
الاستخبارات، المهتمة بتتبع الحياة العادية، للنشطاء الحقوقيين، و
المناضلين النقابيين والحزبيين. فتفرد جزءا من وقتها، لرصد الخروقات
السافرة، لقانون الشغل، والاخبار بها.. فالموضوع، أرواح بشرية، حماية
التراب الوطني من حمايتها!!
واقعة الاعتبار: في سنوات الثمانينيات من
القرن الماضي ، حرر أحد مفتشي الشغل بمكناس محضر مخالفة ضد أحد المشغلين
بسبب مخالفته لمقتضيات قانون الشغل.. وبعد مدة .. جاء المشغل يبحث عن مفتش
الشغل ليعبر له عن شكره، وامتنانه، عن انجاز محضر المخالفة إياه!! والذي
كان سببا - والعهدة على الراوي - في تعرفه على اشخاص، مهمين في سلك
القضاء!!؟؟

2008/3/5

الدكتور مرتجي مولاي هاشم : أغلب التدابير القانونية في مجال حفظ الصحة والسلامة المهنيتين، ما وضعت
إلا لتخرق
حميد العكباني
على
إثر مأساة معمل الأفرشة بمنطقة الأفرشة بمنطقة ليساسفة بالبيضاء، اغتنمنا
فرصة تنظيم اليوم الربيعي السادس للجمعية المغربية للصحة في العمل، الذي
سيقام بمدينة مكناس يومي 9 و10 ماي 2008، فأجرينا حوارا مع الدكتور مرتجي
مولاي هاشم، رئيس الجمعية المغربية للصحة في العمل، ونائب رئيس المجمع
الوطني لطلب الشغل، وفي ما يلي نص الحوار.




جريدة
الاتحاد الاشتراكي: دكتور مرتجي، هل لما وقع من حريق وضحايا بمعمل ليساسفة
يوم السبت 26 أبريل 2008 علاقة بالموضوع الذي اخترتموه لليوم الربيعي
السادس للجمعية المغربية للصحة في العمل حول «المستعجلات في العمل»؟

دكتور مرتجي م. هاشم: إن ما حدث بمعمل الأفرشة بالدار البيضاء، كارثة بكل
المقاييس، وأغتنم هذه الاستضافة الكريمة من لندن جريدة الاتحاد الاشتراكي،
لأتقدم أصالة عن نفسي، ونيابة عن الجمعية، بأحر التعازي، وأصدق المواساة
لعائلات الضحايا...
أما عن سؤالكم، فإن الجمعية، وتأكيدا لدورها في
تسهيل مهمة طبيب الشغل، ظل يتحمل هذا الأخير لمسؤولياته كاملة وعن وعي
وإدراك هاجسا قويا لدى الجمعية، وبما أن دور طبيب الشغل يظل وقائيا، إلا
في حالة الاستعجال، فقد فكرنا قبل شهور في جعل طب الاستعجال في جانبيه
الفردي والجماعي، مع ورشة تطبيقية في إنعاش جهاز التنفس والقلب موضوعا
لهذا اليوم الدراسي.

انطلاقا من مهمتكم كطبيب شغل، ومن موقعكم كفاعل في مجال حفظ الصحة والسلامة المهنيتين، ما تعليقكم على ما جرى بمعمل الأفرشة؟

الجواب عن هذا السؤال يقتضي الرجوع تاريخيا إلى المراحل التي قطعتها
الحماية القانونية للأجراء في مجال حفظ الصحة والسلامة المهنيتين.
وباختصار شديد، نشير إلى أن الحماية القانونية للأجراء ظهرت مع النصف
الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك بعد اشتداد وطأة الاضطرابات الناتجة عن
علاقة العمل بين أرباب الشغل والأجراء.. فتم الاهتداء الى ما اصطلح عليه
بمبدأ المسؤولية المدنية في التعويض عن الأخطار المهنية، إلا أن الأجير
كان دوما يمنى بالفشل في الاستفادة من التعويض عن الأخطار المهنية، لكونه
كان يفشل دوما في تحقيق شروط هذه الاستفادة والتي تلزم الأجير بـ: أولا
إثبات خطأ المشغل، ثانيا: إبراز ما ترتب عن الخطأ من ضرر. ثالثا: أن يثبت
الأجير العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وهذا التحايل في التعويض عن
الأخطار المهنية جعل النقابات تصعد من حركاتها الاحتجاجية عبر العالم، مما
خلق جوا من النقاش والتناظر عبر العالم ساهمت فيه مختلف الأوساط المهتمة
قانونيا، واجتماعيا، وطبيا.. مما أفضى إلي «مبدأ الخطأ المفترض في التعويض
عن الاخطار المهنية» ويقضي هذا المبدأ إلى افتراض خطأ المشغل، كلما تعرض
الأجير إلى حادث شغل أو مرض مهني. وكان أول من تبنى هذا المبدأ هو ألمانيا
سنة 1884 ثم فرنسا 1889 ليصل إلى المغرب سنة 1925 بمقتضى الظهير المتعلق
بالتعويض عن حوادث الشغل، والذي تم توسيعه ليشمل الأمراض المهنية حسب ظهير
1943.
وبما أن التكلفة الاجمالية للتعويض عن الأخطار المهنية يحددها
حاليا المكتب الدولي للشغل فيما بين 3,5% و4% من الناتج الداخلي الخام،
فقد تم اتخاذ تدابير وقائية، تجعل من الوقاية أساسا للعلاج المفترض. وقد
تجلت هذه التدابير الوقائية في تشريعاتنا من خلال ظهير 47 المتعلق بعلاقات
الشغل وظهير 57 المتعلق بالمصالح الطبية للشغل، وكذا قرار 52 المتعلق
بتدابير حفظ الصحة والسلامة المهنيتين، وكذا المجلس الأعلى لطب الشغل الذي
ولد ميتا، وصولا الى ما جاءت به مدونة الشغل في هذا المجال، من تحيين لبعض
المقتضيات القانونية، وملاءمتها مع بعض اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
وتكريس الحماية الفعلية لأطباء الشغل، وإنشاء لجن السلامة وحفظ الصحة،
وتقوية دور الطبيب مفتش الشغل الذي أصبح بإمكانه تحرير محاضر في شأن خرق
المقتضيات القانونية في حفظ الصحة والسلامة المهنيتين، وايضا تقوية
الجزاءات الجنائية المتعلقة بالمخالفات من ما بين 5 إلى 200 درهم إلى ما
بين 2000 الى 20000 دهـ.
إذن نحن أمام ترسانة قانونية متقدمة جدا.
والمطلع المحايد، لا يمكن إزاء كل هذه القوانين الحمائية أن يتصور فاجعة
من حجم معمل ليساسفة بالبيضاء إلا إذا ادرك أن أغلب التدابير القانونية في
مجال حفظ الصحة والسلامة المهنيتين، ما وضعت إلا لتخرق نظرا لصعوبة
تفعيلها، وتحويلها إلى ممارسة، فكيف نتصور عملا ملموسا للجن السلامة وحفظ
الصحة، في المعامل التي يتجاوز عدد العمال بها المائة، خاصة إذا علمنا أن
هذه اللجن لا تضم في عضويتها أكثر من 4 أعضاء يمثلون أطراف الانتاج.
وتزداد الصعوبة استفحالا إذا قارنا بين المهام المعقدة والمتعددة التي
ينيطها القانون بهذه اللجنة وبين المستوى التكويني والمعرفي لأفرادها،
علما أن المادة 23 من مدونة الشغل لا تشير إلى التكوين، والتكوين المستمر،
إلا بطريقة فضفاضة وجد محتشمة. ثم كيف لنا أن ننتظر فعلا ملموسا للأطباء
مفتشي الشغل وعددهم لا يتعدى أصابع اليد على طول البلاد وعرضها؟! وأي دور
ننتظره من المجلس الأعلى للشغل الذي أصبح اسمه طب الشغل والوقاية من
المخاطر المهنية؟ وهو الذي لم يلتئم إلا مرة واحدة منذ صدور المرسوم
المنظم له بمدونة الشغل؟
إذن، المشكلة هي في التطبيق السليم للقانون.. أما ما دون ذلك، فإنه من غير المستبعد أن تتكرر المآسي ولربما بحدة أكبر.


«روزا... موت» وأخواتها : جهنم.. وقودها الناس والقوانين!؟

جلال كندالي
محرقة
«روزامور» أو «روزا.. موت»، كما أصبح يصطلح عليه، والتي ذهب ضحيتها
العشرات من العمال الأبرياء، من المفروض أن تضع المسؤولين على اختلاف
مستوياتهم أمام المساءلة الأخلاقية بالدرجة الأولى، من خلال الإجابة بشكل
صارم عن السؤال البديهي، لماذا وقع ما وقع؟ وألم يكن من الممكن أن يكون
العمال الذين سقطوا في ساحة البحث عن لقمة العيش أحياء يرزقون، ويحتفلون
هم الآخرون بعيد العمال الأممي كباقي زملائهم في العالم، رغم أن الواقع لا
يسمح لهم بالمشاركة في عيدهم، بحكم الاستغلال البشع لهم من طرف صاحب هذا
المعمل، دون أن يشملهم أي بند من بنود مدونة الشغل.
فالحقائق التي
اندلعت من وسط هذا الحريق، تشير إلى أن الأغلبية المطلقة لا تربطهم
قانونيا أية عقدة شغل بالمعمل الذي وقعت فيه هذه المأساة، إذ تم
«استقطابهم» من مؤسسات أخرى في إطار المناولة، ولا يتمتعون، سواء الذين
قضوا نحبهم أو أولئك الذين يعيشون في مأساة نفسية، حاليا بأي حق من الحقوق
المنصوص عليها قانونيا.
ما يعرفه معمل »روزا مور» من تجاوزات وخروقات
ينطبق على الأغلبية الساحقة من المعامل بالمغرب. ويكفي حسب التصريحات
الرسمية للباطرونا العودة إلى المعطيات في هذا الصدد. إذ نجد أن ما بين
10% إلى 15% على الأكثر من المعامل هي التي تحترم الشروط المؤسسة
للمقاولات، في حين أن النسبة الأكبر لا تخضع لأية شروط. وبالتالي، فإن مثل
هذه المأساة هي مسألة حتمية. هذه المعامل لا تحترم أي بند من بنود مدونة
الشغل، ولا توفر الصحة والسلامة المعنية، والحماية الاجتماعية وغيرهما.
كما
نجد أن أغلب أرباب العمل يحاربون العمل النقابي الجاد. فبمجرد أن تكون
هناك حركية في هذا المجال، إلا ويتصدى الباطرون لها، ويتم طرد النقابيين.
ومن ثمة، فلجنة الصحة والسلامة المهنية لن يكون لها أي وجود، بحكم أنها مرتبطة بالدرجة الأولى بالانتخابات داخل المعامل والمقاولات.
ففي
العديد من المدن، تفيدنا الأخبار من هناك أن الباطرونا تعمل على خرق
القوانين أمام أعين من هم من المفروض فيهم أن يحموا ويدافعوا عن تطبيق هذه
القوانين، كما حدث في شركة «سيطافيكس» بسطات التي اتخذت من المحكمة
الابتدائية ذرعاً للتخلص من عمالها بعدما يتم تلفيق التهم إليهم، وهو ما
جعل أكثر من 500 دعوى قضائية تنظر فيها المحكمة الابتدائية بسطات.
ومن
بين هذه التهم الغريبة، هو اتهام أحد العمال بسرقة «ثلاث ليمونات» وكسرة
خبز، حيث تم تشريد هذا العامل الذي له ستة أبناء، رغم أنه قدم خدماته لهذه
الشركة على امتداد 13 سنة، وآخرون تم طردهم بتهمة استعمال الهواتف إلى غير
ذلك من التهم الواهية.
مؤسسات أخرى، وفي إطار التحايل على القانون، كما
حدث بإحدى المؤسسات بالبيضاء. تقدم على طرد أي عامل كاد أن يتجاوز مدة ستة
أشهر، وحتى أولئك الذين يتجاوزون هذه المدة لا يستفيدون من أي حق، بل أن
بعض العمال تعرضوا الى حوادث شغل وتوفوا داخل هذه المعامل، كما حدث مع
أحدهم الذي فارق الحياة على إثر صعقة كهربائية، وعوض أن تتم الاجراءات
بشكل سليم، تم إخراج جثته إلى خارج المعمل، على أساس أن الوفاة كانت خارج
المعمل، دون أن يتم فتح تحقيق في الموضوع، إضافة الى الوفيات الأخرى
الناتجة عن الأمراض المهنية، خاصة في المعامل التي تستعمل المواد
الكيماوية في إنتاجها.
ويبقى الأخطر رغم الخروقات الواضحة لبنود مدونة
الشغل، هو عدم اعتماد أطباء الشغل من طرف هذه المؤسسات. ويكفي أن في
المغرب هناك سبعة أطباء للشغل على المستوى الوطني، منهم أربعة أطباء
متمركزين بالدار البيضاء.
هذا في الوقت الذي نجد فيه العديد من الأطباء
الذين حصلوا على شواهد تؤهلهم لكي يمارسوا طب الشغل، إلا أن الدولة لحد
الآن لم تعترف بذل
ك.
 

طنجة: 300 معمل عشوائي ... في الهواء الطلق !
عبد الكريم المقدم

تتوفر
طنجة على أزيد من 300 معمل عشوائي غير مهيكل في كل من الاحياء: « الاشافية
- فال فلوري - السواني - كسا باراط - الجيراري - العوامة - خوصافات -
ويلاما طورو والمنظر الجميل» منحت لها تراخيص من طرف السلطات المختصة دون
أن تتوفر على الشروط والمعايير المنصوص عليها في القانون.
وكانت مصالح
الوقاية المدنية بطنجة قد نبهت في اجتماعات رسمية من داخل مقر طنجة وعبر
تقارير رسمية ودقت ناقوس الخطر بخصوص هذه المعامل التي توجد في الاحياء
الصغيرة مرخص لها،دون أن تتوفر على حد الأدنى من شروط السلامة والوقاية.
لكن
يبدو أن السلطات المحلية، لا تعير أي اهتمام لهذه الانذارات التي قد يذهب
ضحيتها آلاف العمال مستقبلا لا قدر الله وحدثت كارثة في أحد هذه المصانع!
أزيد
من 300 معمل صغير لا يتوفر على المراحيض ولا على وسائل الاغاثة والانقاذ،
في حالة حدوث فياضانات أو اندلاع نيران، حيث يقول مستشار مهني من غرفة
طنجة بأن السلطات المحلية ومعها المصالح المختصة لا تجري بحوثا كما ينص
على ذلك القانون، فيما يخضع الترخيص للرشاوي والاتاوات رغم معارضة بعض
المصالح الصحية، كالوقاية المدنية التي تثير الانتباه لهذا المعضلة في كل
اجتماع رسمي، لكن لا حياة لمن تنادي.
فترى هل قرأت وزارة الداخلية ما كتبته مصالح الوقاية المدنية عن هذا الموضوع بطنجة؟!
أما
مفتشية الشغل فلا وجود لها على أرض الواقع فالكل بطنجة يعلم بوجود هذه
المعامل العشوائية ومدى خطورتها على العاملين بها ولكن للاسف تنعدم
المراقبة حيث معظم العمال بها غير مصرح بهم سواء لدى مصالح (CNSS) أو
غيرها من المصالح التي يحث عليها قانون الشغل.
وعن هذا الموضوع يقول
صاحب معمل بحي «الجيراري» التابع لمنطقة بني مكادة بأنه دفع «رشوة» من أجل
الحصول على رخصة لهذا المعمل ويخصص رشاوي شهرية لمصالح المراقبة التي لا
تصل إلى هذا الحي حيث يلتقي ممثلي هذه الادارات في احدى المقاهي ويسلمهم
الاتاوتات حتى ينجزوا تقريرا أبيض عن معمله.
أما بخصوص عدم تسجيله
للعمال فيقول بأن ذلك يكلف ميزانية هو في غنى عن أدائها من جهة. وأن
العمال أغلبهم يقطن بالاحياء المجاورة وبالتالي فهو يقلص مصاريفهم في
النقل والبعد، وبصيغة أخرى بأنه يعمل بسياسة تقريب الشغل من العمال!
ظاهرة
انتشار المصانع والمعامل غير المهيكلة في طنجة يعود إلى بداية الثمانينات
حين كانت عروس البوغار تتوفر فقط على منطقتين صناعيتين «طوكس ماليبونيون
ومغوغة بطريق تطوان، حيث كانت سياسة الدولة في نهاية الثمانينات هو خلق
مناطق صناعية جديدة بهدف خلق قطب صناعي بشمال المغرب والقضاء على هذه
المعامل الصغيرة بالاحياء العشوائية والقديمة.
لكن على أرض الواقع تم
إنشاء كل المناطق الصناعية المجد ببني مكادة وأكزناية والمنطقة الحرة
بالميناء، بالاضافة إلى المناطق الحرة التي يتم تجهيزها حاليا بالقرب من
ميناء طنجة المتوسط.
فماذا حدث؟!
سوء التسيير والمتاجرة بهذه البقع
الارضية من طرف المغاربة العقارية حرم أصحاب المعامل الصغرى من الانتقال
من معامل عشوائية إلى مصانع منظمة.
وعن هذا الجانب يقول صاحب معمل بحي
اللاشافية بالقرب من ثانوية (ابن الخطيب) أنه تقدم بطلب الحصول على بقعة
أرضية بمنطقة (مغوغة) من أجل تغيير مصنعة الصغير وكان ذلك سنة 1989، لكنه
للاسف لم تمنحه السلطات المعنية ما طلبه كحق مشروع فيما عمدت هذه الاخيرة
إلى البيع والشراء في هذه البقع الارضية.
وكدليل على ذلك يقول صاحب
المعمل راجعوا قائمة المستفيدين من البقع الارضية في كل من المجد واكزناية
ومغوغة باستثناء أصحاب المعامل والصناع استفاد السماسرة من الاراضي بهدف
اعادة بيعها بثمن أغلى للصناع، اشكالية تجزئة المجد التي عرفت فضائح خطيرة
أيام العمال (القاسمي والمعيوي) فهي تجزئة مختلطة خصص جزء منها للمعامل
والجزء الثاني للدور السكنية والمحجز البلدي وسوق الجملة في غياب أي تخطيط
عمراني لهذه المنطقة.
معظم البقع الارضية المخصصة للصناعيين تم بيعها
للسماسرة بهدف اعادة بيعها والربح المادي. في حين أن الدولة أنجزت هذه
التجزئة تحت ذريعة حل مشاكل المهنيين.
نفس الشيء حدث ويحدث الآن بالمنطقة الصناعية (اكزناية) حيث البيع والشراء في البقع الارضية من طرف الماربين العقاريين.
وبالمناسبة
أولى ممثلو الصناع خلال الاسبوع المنصرم للسيد والي الجهة (محمد حصاد)
بصورة لوكالة عقارية تقع بساحة الروداني وهي تعرض بقعة ارضية بالمنطقة
الصناعية المذكورة للبيع فيما يشتكي الصناع من عدم وجود هذه البقع الارضية.
فترى من سمح ببيع هذه الاراضي، التي خسرت عليها الدولة الملايير من أجل الصناعة وليس من أجل المتاجرة والربح المادي؟!
إن وضعية أزيد من 300 معمل غير مهيكل بطنجة تحتاج إلى وقفة خاصة وحلول مستعجلة .

2008/3/5

وجدة: استغلال النساء في المعامل لقبولهن بالأجور الدنيا

سميرة البوشاوني
يوم
فاتح ماي، اليوم العالمي للطبقة الشغيلة، وبالإضافة إلى الاستغلال البشع
للطبقة العاملة بمدينة تاوريرت، ارتأى بعض أرباب معامل تصبير الزيتون
بالمدينة تشغيل العاملات والعمال في هذا اليوم، لينضاف هذا الانتهاك لحقوق
الطبقة العاملة للائحة الانتهاكات التي تمارس ضد العمال!




مدينة تاوريرت تتوفر على أزيد من 50 وحدة صناعية، 95 % منها مخصصة لتصبير
الزيتون ، لا تتوفر على أدنى الشروط القانونية لا من ناحية البنية التحتية
ولا من حيث شروط الصحة والسلامة، زيادة على استغلال فقر العمال، وخصوصا
النساء منهم، لتشغيلهم ساعات طويلة تصل في أوقات الذروة إلى 12 ساعة، من
السادسة صباحا إلى السادسة مساء، مقابل أجر يتراوح ما بين 30 و40 درهما في
اليوم، بدون ضمان اجتماعي ولا تأمين عن المرض ولا تعويضات عن العطل، إضافة
إلى أن جل المعامل المذكورة لا تتوفر على تأمين عن حوادث الشغل والأمراض
المهنية، وانعدام الأمن، خصوصا وأنها توجد في أماكن تنعدم بها الإنارة
العمومية. ويستغل بعض أرباب المعامل المذكورة العنصر النسوي في العمل
بكثرة نظرا لعجز المرأة في هذه الربوع عن الدفاع عن حقها، وجهلها بالعمل
النقابي للمطالبة بتحسين أوضاعها أسوة بأخيها الرجل، هذا بالإضافة إلى
تشغيلهن والاحتفاظ بهن كاحتياط انتخابي يتم اللجوء إليه عند الحاجة، سيما
وأن بعض أرباب المعامل المذكورة من سماسرة الانتخابات ويشكلون لوبيا يقوم
بعمل ممنهج للترامي على الأراضي...
ونفس الشيء بالنسبة لمدينة
بركان، حيث يعمد بعض أرباب وحداتها الصناعية إلى تشغيل نسبة كبيرة من
النساء واستغلالهن لنفس السبب، عجزهن عن الدفاع عن حقوقهن وقبولهن بالأجر
مهما كان زهيدا، إذ تشتغل النساء في وحدات تلفيف الحوامض والخضراوات، في
ظروف غير ملائمة، يعانين من ارتفاع ساعات العمل وتدني الأجور، بدون تأمين
على الأمراض ودون احترام القوانين المعمول بها في مجال التشغيل، بالإضافة
إلى أن أغلب العمال موسميون وليست لديهم حقوق...
أما بمدينة وجدة
فلا يمكن الحديث عن بنية صناعية، إذ تتوفر المدينة على مجموعة مقاولات (
غذائية، مواد البناء، الخشب، الحديد، التصبير، النسيج...)، إنتاجها موجه
نحو الاستهلاك المحلي والوطني، مما يجعل أغلب هذه المقاولات لا تحترم
المقتضيات المتعلقة بقانون الشغل، وبعدما تم إنشاؤها لامتصاص البطالة
وتوفير فرص للشغل، نجد أن أغلبيتها تشغل أقل من العدد المفترض معه تطبيق
قانون الشغل، وهذا ما جعل مجموعة من الخروقات تظهر في هذه المقاولات
والمصانع كالتشغيل المؤقت والتشغيل بدون عقود وعدم التصريح بالعمال لدى
الصناديق الاجتماعية وغياب التغطية الصحية وانعدام الحرية النقابية والطرد
التعسفي وانعدام لجان الصحة والسلامة، التي تنص عليها مدونة الشغل،
وانعدام فضاءات داخل المقاولات تساعد العمال على تناول وجبات الغداء في
ظروف ملائمة، والتسريحات الجماعية بدون تعويض، إضافة إلى عدم احترام ساعات
العمل وتخفيضها دون استشارة السلطات المختصة ولا مناديب العمال، كما هو
الحال بالنسبة لمعمل «برودور للنسيج» بوجدة، والذي يعاني عماله منذ سنوات
من تقليص ساعات العمل وصلت إلى حدود 4 ساعات في اليوم، الشيء الذي أدى إلى
انخفاض أجورهم وبالتالي تدهور وضعيتهم الاجتماعية والمادية...
كما
يعد معمل «الجابري للتصبير» في الحي الصناعي لمدينة وجدة واحدا من النماذج
الصارخة في انتهاك مدونة التشغيل وغياب الحد الأدنى من الحماية القانونية
لليد العاملة، وهذا ما صرح به عدد من عمال وعاملات المعمل لجريدة «الاتحاد
الاشتراكي»، متسائلين، إلى جانب حرمانهم من حقوقهم القانونية، والمتمثلة
في عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور وتشغيلهم بدون بطائق العمل ووثائق الأجرة
الشهرية، وفي غياب كلي لأي استفادة من أجرة العطل الدينية والوطنية
والسنوية، عن السبب الذي يدفع مشغلهم إلى إغلاق أبواب معمله كلما اقترب
فاتح ماي؟
ويعاني عاملات وعمال هذا المعمل المخصص لتصبير الأسماك من
أوضاع متردية لم تنفع جلسات الحوار مع صاحبه في تحسينها، يقول (ب.م) :«منذ
سنة 2002 فتحنا حوارا مع مشغلنا في ما يتعلق بتحسين أوضاع العاملات
والعمال ومنحهم حقوقهم الاجتماعية كالترسيم والتصريح لدى الصندوق الوطنية
للضمان الاجتماعي، التقاعد، التعويض عن ساعات العمل الإضافية، غير أن
النتيجة تمثلت في طرد تعسفي لـ 20 عاملا...»!
وبعد تأسيس مكتب نقابي
بالمعمل المذكور ثارت ثائرة صاحبه، وكانت النتيجة أنه واجه معركة العمال
النضالية بتدخلات عنيفة استعان فيها، بمفتولي العضلات والكلاب الشرسة
للتنكيل بالعاملات والعمال وإهانتهم، وجاء بعد ذلك تدخل رجال الأمن ليتم
اعتقال 68 عاملة وتقديمهن للمحاكمة في حالة سراح بتهمة الاعتداء على صاحب
المعمل وتخريب بعض الآليات، لكن المحكمة برأتهم في النهاية لحسن حظهم، وفي
هذا الإطار تقول (ا.ف)، والتي كانت ضمن المعتقلات «أنا ماقارية ما والوا
حتى لقيت راسي نتحاكم، طردوني من الخدمة مشيت لداري حتى جاتني استدعا بلي
راني تعديت على المدير، ومازل راني متابعة، خدمت في المعمل 7 سنين بلا
حقوق»!
ونفس الشيء بالنسبة لفاطنة امرأة في 66 من العمر «قضيت 11 عام
فـ الخدمة فـ النظافة بالليل والنهار وفـ التالي طردوني وداوني
للكوميسارية»!
أما شركة «ترتمون أنجاد» لنجارة الخشب والألمنيوم
والحديد بوجدة، فيعيش عمالها أيضا في ظل انعدام تطبيق أدنى بنود القانون
الجاري به العمل في مجال التشغيل، لا ضمان اجتماعي ولا «سميك»، ولا تغطية
صحية، زيادة على عدم التصريح بأيام العمل الفعلية حيث يشتغل العمال 26
يوما ولا يتم التصريح سوى  بـ 12 يوما، أما في ما يتعلق بحوادث الشغل فتتم
التغطية عليها، ولا يتم التصريح بها وغالبا ما تتم المصالحة بين المشغل
والعامل المصاب، مقابل تعويض بسيط والاستمرار في العمل إذا كانت حالته
الصحية تسمح بذلك!
هذا وفي ما يتعلق بتسريح العمال فقد عرفت «واد
الحيمر» بإقليم جرادة عملية تسريح أكثر من 150 عاملا من «معمل الرصاص»،
أغلبهم نقابيون، بعد سنوات طويلة وصلت إلى حدود 25 سنة من الاشتغال في
ظروف جد قاسية معرضين للإصابة بأمراض مزمنة بفعل السموم التي يفرزها
المعمل نتيجة استعمال نفايات يتم جلبها من بعض الدول كالمكسيك والبرازيل
بدون أية مراقبة، واستعمال بطاريات السيارات مما يؤثر على المناخ وصحة
العمال وكافة ساكنة قرية واد الحيمر بفعل الغازات السامة المنبعثة. وقد
عبر بعض المسرحين من العمال عن استيائهم من التعويضات الهزيلة التي صرفت
لهم، خاصة وأن الكثير منهم يعاني من مضاعفات ومخاطر مرض «الساترنيزم»
المستفحل بكثرة في القرية، والذي أدى قبل سنوات إلى وفاة 30 رضيعا دون أن
تحرك الجهات المسؤولة أي ساكن من أجل إنقاذ ساكنة واد الحيمر من هذا المرض
الفتاك. وإلى جانب تسريح العمال، حكم عليهم بالإفراغ من المنازل التابعة
للشركة وتشريد أسرهم دون إيجاد بديل لهذه الوضعية المزرية، ومازالت القضية
رائجة أمام المحاكم، ومازال الحوار مفتوحا مع عامل إقليم جرادة.
التسريح من العمل طال أيضا بعض مستخدمي شركة «حافلات النور» بمدينة وجدة،
حيث تم تسريح 7 مستخدمين يمثلون المكتب النقابي المنضوي تحت لواء
الفدرالية الديمقراطية للشغل دون تعويضهم، مع رفض مدير الشركة الاعتراف
بالمكتب النقابي بالرغم من أنه يشتغل وفق القوانين والمساطر الجاري بها
العمل.
وفي تصريح للجريدة أرجع الأستاذ عز الدين شافيقي (الكاتب
المحلي للفدرالية الديمقراطية للشغل» أسباب تردي أوضاع المقاولات وعدم
احترام أرباب المعامل لبنود مدونة الشغل والتشريعات المعمول بها في هذا
الشأن إلى «عدم تفعيل بنود مدونة التشغيل الجديدة، وضعف جهاز التفتيش نظرا
لأنهم ليست لديهم صلاحيات تنفيذية كبيرة واقتصار دورهم على إجراء الصلح
بين المشغل والعامل، وعقلية الباطرونا المتخلفة وضعف التأطير النقابي،
نظرا لعدة عوامل كمحاربة العمل النقابي وضعف التكوين المعرفي للعمال،
واللجوء إلى تشغيل النساء بكثرة ، بالنظر لصورة المرأة لدى الباطرونا،
باعتبارها تقبل الأجور الدنيا ، إضافة إلى تشغيل حتى القاصرين».
ولإصلاح هذه الوضعية يرى الأستاذ عز الدين شافيقي «ضرورة إعادة النظر في
صلاحيات جهاز التفتيش والصرامة في مراقبة شروط الصحة والسلامة ، خاصة في
المعامل التي تستعمل المواد الكيماوية، ومطالبة سلطات الشغل بالإسراع في
تنفيذ برنامج إعادة تأهيل المقاولات La mise à niveau من حيث القوانين
الداخلية للمقاولات، الحماية الاجتماعية، احترام الحريات النقابية واحترام
شروط الصحة والسلامة وظروف الشغل...»
........................
 

في ظروف تغيب فيها شروط الصحة والسلامة والإنسانية

مَوتى يتنفسُون تحت الأرض بمناجِم عَوام بخنيفرة
أحمد بـيضي
حوالي
15 حادثة شغل كل شهر، وثمة 4 أو 5 قتلى كل سنة، وإصابات متعددة بالصعقات
الكهربائية والتساقطات الصخرية تحت عمق يتراوح بين 600 إلى 800 متر، علاوة
على العاهات المستدامة والأمراض المتمثلة في الربو والعيون والروماتيزم
والسليكوز، إضافة إلى معاناة الساكنة مع ما تفرزه المناجم من مواد خطيرة





سبق لباحثين فرنسيين، نينا ديناميت وفانسان توشالوم، من العصبة الشيوعية
الفرنسية، أن قاما بزيارة خاصة لقرية تيغزى، ضواحي مريرت، إقليم خنيفرة،
واستقبلهما حشد من عمال مناجم عوام وعائلاتهم، وأنجزا تقريرا مريرا تناولا
فيه ظروف عمال مناجم عوام، واشتغالهم في درجات حرارة تبلغ الخمسين درجة في
قعر المناجم بأجور مخجلة، كما أشارا لموضوع العقود التي يوقعها غالبية
العمال على بياض قبل أن تقوم الإدارة بملئها على طريقتها المفضلة، ولم يفت
الباحثين الفرنسيين تأكيد انعدام تغطية صحية ضرورية، بالرغم من معدل حدوث
15 حادثة شغل كل شهر، وسقوط 4 إلى 5 قتلى كل سنة، ولا يجري أي احترام
لشروط السلامة، مما يؤدي إلى إصابة الكثيرين بصعقات كهربائية (أسلاك
كهربائية سيئة قوتها 360 فولت تمر مباشرة فوق الماء)، والموت تحت الكتل
الصخرية المتساقطة والمعدات المهترئة، بينما أشار الباحثان الفرنسيان
لموضوع الترسيم بالتأكيد على أن غالبية العمال «مؤقتين» تقوم الشركة
المنجمية لتويست بالتعامل معهم بنظام المقاولة، وعلى هذا النحو أصبح ثلث
العمال ال 700 مؤقتين لا يطبق عليهم قانون الشغل ويجري تجديد عقود عملهم
لبضعة اشهر، وفي الغالب طيلة سنوات، المهم أنهم لا يعتبرون من الناحية
القانونية عاملين بالمقاولة، بل في البناء أو في المعمل، وبالتالي، فإن كل
من يلقى حتفه في أعماق أرض المنجم يعتبر مجرد ميت خارج المنجم.
وعلى
إيقاع المثل العربي «من لم يمت بالسيف مات بغيره» يمكن الإشارة لحكاية
عامل (حسن بوباح) تعرض للطرد بعدما سلمه أباطرة الشركة المنجمية مبلغا لا
يتجاوز الألف درهم، ولم يجد حينها ما يواجه به الإهانة المضرة بكرامته
ومصير أسرته غير التوجه صوب غابة في الجبل حيث وضع حدا لحياته شنقا، ويصعب
نسيان أرواح العمال الذين لقوا حتفهم في ظروف تراجيدية (تم تعويض عائلاتهم
بمبالغ هزيلة) أو أصيبوا بعاهات مستدامة يحملونها طوال حياتهم.
وإذا
وصف أحدهم حياة مناجم عوام بفصل من رواية «جيرمينال» لكاتبها العالمي إميل
زولا، وآخر وصفها ب«عبيد القرن الواحد والعشرين» فالحقيقة أن مثل هذه
الأوصاف لها دلالتها القوية أمام مشاهد عمال يشتغلون تحت عمق يتراوح بين
600 إلى 800 متر تحت الأرض، حيث تصبح الحرارة لا تطاق، والويل لمن أفصح عن
معاناته، بل إن بعض العمال ينزلون إلى تحت الأرض حاملين معهم متفجرات، وكل
رافض لهذه المهمة يكون مصيره الطرد دون مناقشة.
وتقع مناجم عوام
بالجماعة القروية الحمام على بعد حوالي سبعة كيلومترات من مريرت، ومواقعها
الإنتاجية تقع بجبل عوام وإغرم أوسار وسيدي أحمد، واستغلالها يعود إلى
أكثر من نصف قرن من طرف الشركة المنجمية لجبل عوام، والخاضعة للقانون
البلجيكي، هذه التي طورت إنتاجها وأبحاثها قبل أن تدخل الدولة المغربية في
المساهمة في الاستغلال والحصول على نسبة 24 بالمائة من رأسمال الشركة على
أن يبقى التسيير بلجيكيا، ليرفع مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية بالمغرب
حصته في الرأسمال إلى 33 بالمائة والباقي في ملكية مجموعة الاتحاد المنجمي
البلجيكي، وبعد سلسلة من المعارك الاحتجاجية التي خاضها عمال مناجم عوام
في سبيل تحقيق ملفهم المطلبي، تم افتعال ما يزعم أن الشركة أصيبت بالإفلاس
لغاية فك ارتباطها بعمالها، وبموجب تصفية قضائية تم تفويت المناجم إلى
الشركة المنجمية تويسيت (سي إم تي) التي أخذت بدورها تتفنن في طرق استغلال
العمال والثروة المعدنية المتمثلة في الفضة والزنك والرصاص، وقد بدأ
الحديث عن وجود كمية هامة من الذهب، وتستعين الشركة الحالية بعمال مؤقتين
عبر مقاولات معينة (تغانمين وأوسي جي مثلا) تمنحهما الشركة المذكورة
المناولة في نفس الأشغال التي تزاولها بالرغم من عدم سماح القانون
بالمناولة في الإنتاج، إضافة إلى ما يفيد أن هذه المقاولات لا تتوفر على
رخص استخراج المعادن أو حتى اتفاقيات واضحة.
في مواجهة العبودية

من حين لآخر تشل الحركة بمناجم عوام بإقليم خنيفرة، وتحاصَر شاحنات نقل
المنتوج، وتتوقف آلات استخراج ومعالجة المعادن، ذلك كلما دخل عمال هذه
المناجم في اعتصام أو إضراب مفتوح عن العمل، أمام مقر الشركة المنجمية
تويسيت بتغزى، في سبيل إثارة انتباه الجهات المسؤولة والرأي العام الوطني
للحالة المأساوية التي يتخبطون فيها، وينادي المحتجون في كل مرة بتوفير
شروط الحياة والصحة والتأمين والإنسانية، وبدمقرطة عملية الترسيم التي ما
فتئت إدارة الشركة تتعامل في شأنها بمكيال التمييز والقرابة والمحسوبية،
وفات أن جرت عملية تحقيق في قضية مسؤول بنقطة أغرم أوسار التابعة لمناجم
عوام تم اتهامه من طرف عامل (أ.إبراهيم) بالنصب عليه في مبلغ 20 ألف درهم
مقابل وعده بالتدخل لترسيمه بالشركة، وبعد مدة طويلة من التسويف
والمماطلة، اكتشف العامل انه وقع ضحية احتيال كان بديهيا أن يحمله على
التقدم بشكاية في الموضوع أمام السلطات المسؤولة.
وإلى جانب أمر
الترسيم لم يتوقف عمال مناجم عوام عن تمسكهم بتفعيل ملفهم المطلبي المتمثل
أساسا في شروط التأمين والسلامة الشخصية والفحوصات الطبية المكثفة،
والزيادة في الأجور والتعويض عن الساعات الإضافية وعن حوادث الشغل
والأضرار الصحية والعمل في بواطن الأرض، إضافة إلى الاستفادة من المنح
التحفيزية وتطبيق العطلة السنوية بشكلها القانوني، وعدم الانحياز لنقابة
دون أخرى، ومن البديهي أن يستعرض هؤلاء العمال محنتهم مع ظروف العمل
القاسية إلى درجة عدم الاهتمام حتى بالمتوفين منهم الذين إذا ما لم توضع
في شأنهم تقارير مغلوطة يتم التعامل بخصوصهم كما لو كانوا من«الكلاب التي
تموت على الأرصفة»، وكم هو عدد العمال الذين تعرضوا لحوادث شغل نتجت عن
بعضها عاهات مستدامة وأمراض خطيرة تتنوع ما بين السيليكوز والروماتيزم
والكلي والحساسية والربو، وكم من مصاب وجد نفسه في الشارع دونما وجه حق،
علاوة على المشاكل القائمة التي لا تقل عن ظروف الاشتغال الصعبة والتهديد
بالطرد في أية لحظة أو بالسجن في حق كل من انخرط في العمل النقابي أو رفع
صوته فوق كلمة الشركة كما حدث بالنسبة لعاملين (بنيوسف وحيد وعبد الكريم
الحيدر) كانا قد اعتقلا وتوبعا قضائيا بتهمة عرقلة حرية العمل وتبعاته، لا
لسبب إلا أنهما طالبا بتسبيق لشراء أضحية العيد أسوة بباقي العمال الذين
استفادوا من هذا الحق، وأمام لجوء الشركة المنجمية إلى رفض المطلب
بتبريرات واهية، دخل العاملان في اعتصام مفتوح احتجاجا على طريقة التمييز
الجائر الذي تم التعامل به حيالهما، وبعد شهر من اعتقالهما أصدرت المحكمة
الابتدائية حكما يقضي ببراءتهما من كل التهم الملفقة لهما أمام إصرار
النيابة العامة والباطرونا على إدانتهما وتم استئناف الحكم، حيث قضت
استئنافية مكناس، بعد جلسات طويلة، بالحكم على العاملين بثلاثة أشهر
موقوفة التنفيذ ومليون سنتيم غرامة مالية، وكان عدد من عمال نقطة أغرم
أوسار قد دخلوا بدورهم في اعتصام مفتوح احتجاجا على تعرضهم لطرد تعسفي من
العمل وبينهم عامل سبق أن تعرض لحادثة شغل.
ولم تخف مصادر عمالية
قلقها الشديد حيال المصير الذي آلت إليه الالتزامات التي نتجت عما وصف
ب«حوار العمالة» هذه التي ظلت مجمدة بشكل لم يتم تفسيره إلا بوسيلة لا
تتجاوز مجرد «مهدئات» لامتصاص التوتر الذي كانت مناجم عوام تعيشه لحظة
اعتصام جماعي لعدد من العمال على عمق 200 متر تحت الأرض بين الحياة
والموت، الحالة الخطيرة التي أجبرت الجهات المسؤولة على عقد سلسلة من
اللقاءات المكثفة آنذاك، وكان أن نجحت بعض المفاوضات العسيرة في فك
المأساة بناء على التزامات ووعود من دون شك أنها بقيت خارجة تغطية الواقع.
وعوض قيام الجهات المسؤولة بشق طريق للحوار مع عمال مناجم عوام عمدت إلى
«شق» رؤوسهم بالهراوات، ذلك في إصابة خمسة عمال بجروح متفاوتة الخطورة،
أحدهم تم نقله صوب المستشفى الإقليمي بخنيفرة في حالة حرجة، بينما اعتقل
13 آخرين في هجوم عنيف شنه، في صباح باكر، أفراد من القوات العمومية (درك
وقوات مساعدة) دونما سابق إشعار أو إنذار، على مخيم للعمال المعتصمين في
تجمع سلمي لحوالي شهرين، ولم يمر هذا الحدث الخطير دونما أن يخلف موجة من
الغضب والتنديد وسط مختلف الشرائح السكانية والهيئات الجمعوية والسياسية
والنقابية والحقوقية، سواء على صعيد إقليم خنيفرة أو الصعيد الوطني
(والدولي بحضور نقابة فرنسية واتصال من نقابات أسبانية وهولندية وإيطالية
وفرنسية)، كما أن الجميع ظل على أعلى اهتمام بتطورات القضية وما ستؤول
إليه محاكمة المعتقلين بعد «استضافتهم» لدى الدرك بتهم عرقلة العمل
واحتلال الطريق العمومية، وهم محمد زهتان، محمد كسيت، حميد أشيبان،
إبراهيم بولحفة، محمد بوحوت، علي أوزالي، يوسف بوستة، لحسن أوراغ، م.علي
العقاوي، إسماعيل العمراني، الحسين الشاشي، حمادي الجعايبي، ومحمد
الزرايبي.
ووفق معطيات متطابقة حصلت عليها «الاتحاد الاشتراكي» حينها
فالهجوم جاء بمنتهى العنف، وقد بدأ بالضرب والرفس العشوائي على أجساد
المعتصمين، وأفعال المطاردة عبر الجبال المحيطة بعين المكان، وتدمير خيام
المعتصم بآلة الطراكس، ولم يسلم العديد من شباب وأطفال قرية تيغزى من لعنة
موجة الاعتقال هذه حتى بالرغم من عدم علاقتهم بأي شيء، وأغلبهم لحظتها
كانوا يلعبون الكرة بالملعب القروي للقرية، وإزاءها سجل تقاطر العديد من
عائلات هؤلاء الأبناء على مقر الدرك بمريرت لمعرفة مصير فلذات أكبادهم،
ولم يكن متوقعا أن ترتفع درجة الاستنفار، بحجة الإجراءات الأمنية، كما تم
تطويق جميع المنافذ المؤدية لقرية تيغزى بهدف عزل العمال والقيام بعملية
الهجوم بالطريقة التي سطرتها تعليمات»عشاق» سنوات القمع سيئة الذكر، ذلك
في الوقت الذي كان فيه على الجهات المسؤولة التدخل الفوري والنزيه لحماية
المعتصمين، والتحقيق المحايد والشفاف في أسباب ودواعي الاعتصام.
وإذا كان التدخل العنيف قد راهن على ترهيب عمال مناجم عوام وإجهاض
اعتصامهم الصامد، فإنه كان بمثابة «ضوء أخضر» لشركة تويست المسيرة للمناجم
بأن تتمادى في غيها وسياستها الاستغلالية العشوائية، والمؤكد أنه جاء
بالمقابل ليوحد العمال أكثر فأكثر في عودتهم إلى مواصلة اعتصامهم البطولي
رغم الأوضاع الاجتماعية المزرية ومظاهر الصمت والحصار المضروب على
معركتهم، ولم يكن مفاجئا في خضم هذا الوضع أن تعمد شركة تويست إلى مباشرة
استغلالها للمناجم تحت مظلة الجهات المسؤولة، ثم زادت فقررت طرد 14 عاملا
بطريقة شاذة يطبعها التحدي والتصلب، إضافة إلى إجبارها المزاجي للعديد من
العمال على توقيع عقدة عمل لا تتجاوز الشهر الواحد قابل للتمديد المشروط،
ويمكن أن يمتد العقد إلى حدود ثلاثة أشهر على الأكثر.
فوضى خارج التغطية

وكانت مناجم عوام قد عادت في تطور خطير، لتعيش من جديد على إيقاع هجوم
عنيف على خيام المعتصمين من طرف القوات العمومية، حوالي الرابعة والنصف
صباحا على طريقة ما كان يسمى غداة سنوات الرصاص بزوار الفجر، حيث تمت
عسكرة المنطقة وتطويقها بعدد كبير من رجال الدرك والقوات المساعدة، وحينها
تم اقتحام المعتصم بالقوة وإحراق الخيام واعتقال العديد من المعتصمين
عشوائيا ليتم اقتيادهم جميعا على متن حافلات خاصة صوب مقر درك مريرت ومنه
أحيل 29 فردا على المصالح الإقليمية للدرك بخنيفرة، ولم يفت القوات
العمومية ترهيب نساء وأطفال المعتقلين، هؤلاء الأخيرين الذين انتفضوا في
مظاهرة غاضبة جابوا بها الشارع الرئيسي لمريرت، وخاضوا وقفتين احتجاجيتين
أمام باشوية المدينة ومركز الدرك في سبيل الإعراب عن سخطهم الشديد حيال ما
جرى، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وقد ارتقى المحتجون بدرجة غضبهم
إلى نحو تنظيم مسيرة على الأقدام باتجاه خنيفرة المدينة، ولم يفت بعض
عناصر السلطة المحلية اعتراض سبيلها دونما جدوى إلى حين اجتيازها لحدود
مريرت، حيث أقدم رئيس المجلس البلدي على تهدئة المشاركين في المسيرة عن
طريق إقناعهم بالقيام بما يمكن من المحاولات لتطويق الأزمة، كما لم يتوقف
رئيس المجلس القروي للحمام عن تكثيف اتصالاته ومباحثاته الهاتفية مع مختلف
الجهات المسؤولة لأجل وضعها في الصورة الحقيقية لما جرى ويجري حتى يمكن
إنصاف عمال مناجم عوام في مواجهة واقع الحيف والاستعباد الذي تنتهجه
الشركة المسيرة لهذه المناجم بسبلها المنافية للشروط الإنسانية والقوانين
الوطنية والمواثيق الدولية.
ويأتي هذا التدخل القمعي بعد ثلاثة أيام
فقط من محاولة فاشلة لإجهاض اعتصام العمال قام بها «مقاول إسلاموي» تابع
لشركة تويست المسيرة لمناجم عوام، إذ عمد هذا العنصر، تحت شمس صيفية حارة،
إلى استقدام عدد من الأشخاص لغاية استفزاز المعتصمين بمحاولة هدم خيامهم،
بعد إشباعهم سبا وشتما بألفاظ قبيحة وخطابات ساخرة لم يكن منتظرا أن تجري
أمام أعين السلطات المحلية التي أبدعت فن التفرج بامتياز، ولما زاد صاحبنا
فافتعل سيناريو إركابه لرجاله على متن شاحنة تابعة للشركة، ولا علاقة
لمقاولته بها، واجهه العمال المعتصمون بصمود ورفضوا محاولته الرامية إلى
تكسير الإضراب باستعمال الشاحنة، الأمر الذي اجبره على الترجل ليأخذ في
ضرب بعض العمال بطريقة طائشة أصيب على إثرها عاملان برضوض نقلا بسببها صوب
مستشفى مريرت ومنه إلى المستشفى الإقليمي بخنيفرة حيث أحيل أحدهما (عبد
العزيز سميح) على أحد مستشفيات مكناس بالنظر لخطورة إصابته على مستوى
جهازه التناسلي، ولم يفت المعتدي العودة إلى المعتصم لاستكمال استفزازاته
في محاولة منه استدراج المعتصمين إلى الاعتداء عليه لغاية إعطاء الضوء
الأخضر للسلطات من اجل التدخل، غير أن فطنة العمال المعتصمين حالت دون
نجاح خطته، في حين اجمع المراقبون على أن في تحرشات الرجل إشارة واضحة
لتصعيد الأزمة وبداية العاصفة التي يسبقها الهدوء.
وبما أن الأوضاع
ظلت قابلة للتصعيد، قرر عمال مناجم عوام منع أطفالهم من الالتحاق بالمدارس
على خلفية عجزهم عن تغطية تكاليف التمدرس، مع التهديد بالدخول في إضراب عن
الطعام في حال عدم تسوية ملفهم الاجتماعي أو عدم توقف السلطة عن تعاملها
السلبي حيال حركاتهم الاحتجاجية المشروعة، وطالبوا ضمن بلاغ نقابي من كافة
الجهات المسؤولة التدخل الفوري لوضع حد فوري لما يتخبطون فيه من مآس
اجتماعية، كما ناشدوا الرأي العام المحلي والوطني والدولي لمساندتهم في
محنتهم كضحايا للقهر والتجاهل، الوضع الخطير الذي دفع بالعديد من الهيئات
الحقوقية والجمعوية إلى التقاطر على معتصم عمال مناجم عوام للتعبير عن
مؤازرتها وتضامنها، ومن هنا تميزت تلك الفترة بقيام أكوسطين كوميز، مسؤول
من لجنة العلاقات مع شمال إفريقيا المنبثقة عن الكونفدرالية العامة للشغل
بأسبانيا، بزيارة خاصة للمنجميين المعتصمين بعوام، حيث ألقى كلمة عبر من
خلالها عن تضامنه المطلق وتضامن نقابته الأسبانية، معتبرا نضالهم جزء لا
يتجزأ من كفاحات الطبقة العاملة عالميا، وفي الوقت ذاته وصف وضع مناجم
عوام بغير المقبول، ووعد المعتصمين باتخاذ ما يلزم من المواقف الضاغطة
والتحركات العملية لغاية دعم معركتهم في مواجهة هذا الوضع الذي يتنافى
والقوانين والمواثيق الدولية الضامنة لحقوق العمال.
مصير دون ملامح

وأكد عدد من العمال أن الشركة آيلة للإغلاق جراء سوء التسيير و عشوائية
التدبير، إضافة إلى ما بات سائدا من أساليب تمييزية وانتقائية بخصوص عملية
الترسيم، وبالتالي منطق اللامبالاة التي تشدد الشركة على نهجه عوض ترجمتها
لحقوق العمال أو القيام بما يحول دون توقف الإنتاج، علما أن مناجم عوام
تنتج أنواعا معدنية ارتفع ثمنها مقابل تدني احترام السواعد التي تستخرجها،
إذ ارتفع معدن الزنك مثلا إلى نحو 2000 دولار للطن والمعروف أن المناجم
المذكورة تنتج 3600 طن شهريا أرباحها تظل سرا لا يعلمه أحد، ويمكن ملامسته
من خلال ضريبة الأرباح التي تتجاوز المليارين ونصف المليار سنتيم، وتفيد
أحدث الأرقام الصادرة عن المجموعة الفرنسية نور إست أن فرعها الشركة
المنجمية تويسيت ساهم في النصف الأول من سنة 2007 بمبلغ 13.2 مليون يورو
في رقم مبيعات المجموعة مقابل 10.5 مليون يورو في النصف الأول من العام
2006.
كل ما جرى بمناجم عوام يأتي بمثابة سلسلة من الكوارث لن تتحمل
المسؤولية فيها غير إدارة الشركة بسبب مواقفها المتعنتة وسعيها الوهمي إلى
ترويض العمال على قبول صيغها ومعاييرها المعروف مسبقا أنها تسير أمام صمت
السلطات في الاتجاه المعاكس للقوانين والمواثيق المتعارف عليها وطنيا
ودوليا، وكشفت مصادر متطابقة النقاب عن سلوكيات مسؤول بالشركة قالت بأنه
لا يخجل مطلقا من نفسه وهو يتاجر في الأطنان من بقايا القطع والأدوات
المستعملة، أمام مرأى ومسمع من الجميع دونما حسيب ولا رقيب، بما فيها
آليات كان قد تم استيرادها من دولة أوروبية فعمد ذات المسؤول إلى ضمها
للأشياء المذكورة وبيعها.
وفات لإطارات نقابية أن تقدمت بطلب مؤازرة
لجماعة الحمام على اعتبار وجود مناجم عوام داخل النفوذ الترابي لهذه
الجماعة، وبناء على ذلك قام وفد من أعضاء الجماعة المذكورة، يتقدمهم
رئيسها، بعقد لقاء مع العمال المعتصمين، وأعربوا لهم عن بالغ قلقهم إزاء
الوضعية المتردية التي تمر منها المناجم، وسوء ظروف العمل والحرمان من
الحرية النقابية التي لم تحترم فيها حتى السبورة النقابية التي نالت حقها
من القمع لحملها إعلانا عن الإضراب والاعتصام، ولم يفت المحتجين المعتصمين
الإشارة بغضب شديد إلى أفعال الاستفزاز والتهديد بالاعتقال التي يتعرضون
لها من طرف بعض سماسرة الشركة وعناصر مسؤولة تربطها بباطرونا الشركة
المنجمية تويسيت علاقة مشبوهة، والواضح أن هذه العناصر ما فتئت ترفع
تقارير مجانبة للحقيقة بخصوص احتجاجات العمال لغاية البقاء على الحقيقة طي
العتمة.
وارتباطا بالموضوع تتجلى مآسي الساكنة المحيطة بمناجم عوام
مع العطش والتلوث وجفاف الآبار والعيون بسبب أعمال حفر الأنفاق، وتأثير
إفرازات هذه المناجم على الغطاء النباتي والمساحات الزراعية والدواب
والمواشي التي تعتبر من المصادر الأساسية والاقتصادية لحياة السكان، علاوة
على الأضرار الصحية والبيئية الناتجة عما يصدر عن المنجم من مياه مستعملة
في معالجة المعادن أو محملة بمواد كيماوية ومسمومة ومشعة، ولعل كوارث أخرى
تكبر عندما نعلم بأن هذه المواد تصب في نهر تيغزى الذي يعتبر من روافد نهر
أبي رقراق، وهو من المواضيع التي لم تأخذ حقها من البحث والتحري حتى لا
يبقى منطق الثروة والربح السريع هو السائد على حساب حقوق البشر، وفي هذا
الإطار أوضح أحد المهتمين المحليين أن مجموعة من الأمراض التي ظهرت
أعراضها على مواطني المنطقة ومنها الكلي وصداع الرأس وأوجاع البطن وبروز
بقع سوداء على الوجه ثم الحساسية والتشوهات، وبينما كشف ذات المصدر عن عدد
الحالات التي زارت المستشفيات الإقليمية والجهوية أفاد أن الغطاء النباتي
قد تراجع بشكل خطير إلى درجة موت أكثر من 7000 شجرة على طول واد تيغزى حتى
الحدود مع قبيلة بومزوغ، فضلا عن نفوق قطعان هائلة من المواشي وتضرر
الفرشة المائية والأراضي الفلاحية إلى غير ذلك من المظاهر الخطيرة التي
هددت وتهدد مواطني وفلاحي المنطقة بالتجويع والتهجير القسري في غياب سلطات
وإدارة منجمية تعمل على خلق مشاريع تنموية للساكنة وأبنائها الذين يعانون
من البطالة وأراضيهم مكتنزة بمواردها المعدنية.

....................
 


 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل













الإتحاد الإشتراكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق