تراخيص «كوريات» تُشيد بها أحياء صناعية كبرى بالدار البيضاء أكثر من 1000 معمل سري على مساحة 168 هكتارا! العربي رياض انتقلت الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية، إلى درجة عالية في عالم الاقتصاد العشوائي، فهذه الجهة التي تحتضن خمس مناطق صناعية معترفا بها رسميا (البرنوصي ـ عين السبع ـ المحمدية ـ ليساسفة ـ مولاي رشيد وبوسكورة)، تنتشر بها أضعاف هذه المعامل الرسمية في مختلف الأحياء والتجمعات السكنية! ففي كل صباح، ترى أسراب الأجساد تتسلل إليها أمام أعين الساهرين عن الأمن وعن السلامة... دون أن تُتخذ إجراءات بشأنها... أحد المستثمرين صرح لنا بهذا الخصوص بأن وزير الداخلية إبان الكارثة التي عرفها مصنع ليساسفة، صرح بأن بالدار البيضاء خمس مناطق صناعية ،أي أن الدولة لا تعترف إلا بهذه المناطق، ومع ذلك تترك النشاط الاقتصادي العشوائي ينتشر في أحياء المدينة دون أي تدخل من جهتها! في الحقيقة، الأمر لا يتوقف على المصانع العشوائية المتوزعة على الأحياء والشوارع، بل التسيب وصل الى حد خلق أحياء صناعية عشوائية كبرى، في كل من مناطق مديونة، تيط مليل، بوسكورة، دوار لمكانسة، دوار لحفايا والهراويين .. والكل يعلم بها ، من الوزير الأول الى الوزير 42 ، إلى الوالي، إلى العمال، إلى القياد وكولونيلات الدرك والكوميسيرات و «الدياجي» والمقدمين والشيوخ... المصانع العشوائية بهذه المناطق، أحدثها ، وبتواطؤ مع جهات في السلطة، رؤساء جماعات وبرلمانيون! نعم برلمانيون ومسيرون في المدينة، حيث حولوا هكتارات فلاحية إلى مصانع عشوائية، لا تفتقر فقط إلى شروط السلامة، ولكنها لا تتوفر لا على «الواد الحار» ولا على طريق ولا وسائل نقل ولا مراكز قريبة للوقاية المدنية ولا أي شيء. تستقبل هذه «المصانع» يوميا آلاف العاملين لا يتوفرون ولا على دليل واحد يثبت أنهم يعملون في مصنع، يتعرضون يوميا إلى برنامج «سلب الحقوق»، منهم من تبتر أصابعه ومنهم من يتعرض للسب ، ومنهم من يتعرض حتى للموت ويُرمى به خارجا، لأن صاحب المصنع /الشبح لا يتوفر على تأمين، وكيف سيكون له التأمين ومصنعه لا يمر منه حتى «الواد الحار»؟ العجيب أن بعض محدثي هذه الأحياء الصناعية هم من جاء إلى البرلمان يوم الكارثة، وطرح أسئلة التضامن والاهتمام بالضحايا وتعويضهم عن الأضرار.. الى غير ذلك من الأسئلة والملاحظات! آلاف المصانع تنتشر في هذه المناطق، لا تحترم حتى المسافة المطلوبة فيما بينها، إذا ما وقع حادث لن تجد سيارات الإسعاف وغيرها ممرا تصل من خلاله الى المصنع المتضرر، فالطريق الفاصلة بين المصانع في هذه المناطق لا تتعدى ثلاثة أمتار في أحسن الأحوال... تقوم هذه المصانع بإنتاج كل المواد بما فيها الغذائية، تستعمل مياه الآبار ولا يعلم أحد إن كانت مياهها صالحة و خاضعة للمراقبة الطبية! أحد المواطنين كان قد تقدم للمسؤولين بشكاية ونشر شكايته هذه عبر وسائل الإعلام، قال فيها بأنه أصيب بآلام حادة على مستوى البطن ولما توجه إلى الطبيب وبعد الفحوصات، تبين أن المشتكي يتناول كثيراً قطع الثلج مع العصير ومشروبات أخرى، خصوصا الكحولية، وبعد البحث، تبين بأن قطع الثلج هذه تصنع في معمل عشوائي بتراب بوسكورة من مياه الآبار، وكلنا نعلم تلوث فرشة الماء ببوسكورة من جهة، نظراً لانتشار المعامل ، ومن جهة أخرى، تأثير المطرح البلدي لمديونة عليها. قطع الثلج ليست الوحيدة التي تصنع هناك، هناك كذلك «الكاشير»، و الجبن ، بعض أنواعه المعروفة تصنع في هذه الأراضي، بالإضافة إلى بعض أنواع «البيسكوي»..! كيف بنيت هذه الأحياء الصناعية ومن يقف وراءها؟ سنذهب إلى نموذج دوار لحفايا بمنطقة أولاد حدو لنجد بأنه في زمن قياسي تحول إلى حي صناعي يضم أزيد من 500 مصنع، كلها بنيت بترخيص لبناء إسطبل «كوري». مؤخراً، قامت لجنة من عمالة النواصر بزيارة إلى دوار الحفايا ، حيث وقفت على الخروقات العمرانية وانتشار الأبنية فوق أراض فلاحية. وعلمنا بأن السلطات استدعت رئيس جماعة بوسكورة وحمّلته مسؤولية ما يقع بتلك المنطقة، خصوصا وأن عرّاب الأبنية هناك هو شقيقه رئيس مقاطعة عين الشق، كما أن معظم الأراضي التي شيدت عليها تلك الأبنية اللاقانونية هي في ملكية عائلة رئيس الجماعة! في السياق ذاته تم استفساره عن أسباب امتناعه عن التأشير لفائدة المستثمرين الحاملين للرخص الاستثنائية من أجل بناء مشاريعهم هناك بشكل قانوني، حيث تبين من خلال مراسلة للمركز الجهوي للاستثمار، أن كل المصالح والجهات والجماعات والمقاطعات تعطي موافقتها على مثل هذه التراخيص باستثناء جماعة بوسكورة! اللجنة التي كانت مشكلة من ممثلي مختلف المصالح التابعة للولاية ، بالإضافة الى رجال الدرك، أعدت تقريراً في الموضوع ووضعته لدى السلطات، التي راسلت بدورها وزارة الداخلية ، وقد تضمن التقرير كل تلك الخروقات. وبإطلالة على المنطقة، نجد بأن دوار الحفايا أولاد العياشي ، وبقدرة قادر، تحولت جل أراضيه الفلاحية الى هنكارات ومصانع وفيلات ومساكن عشوائية، وقد تم ، وفي غفلة من الجميع ، بناء أزيد من 500 هنكار منها ما تم بيعه، ومنها ما تم كراؤه ، وتدر هذه الهنكارات على أصحابها ما يزيد عن 30 مليون سنتيم شهرياً! وحسب العارفين بخبايا هذا الملف، فإن صاحب الأرض كان يتقدم بطلب الحصول على رخصة بناء إسطبل باعتبار الأرض فلاحية ، ويتم استغلال تلك الرخصة في بناء الهنكارات، وقد فاق اليوم عدد المصانع هناك العشرين مصنعاً ،بالإضافة الى الهنكارات، وبتصفح الرسم العقاري رقم C / 16162 ، سيتم اكتشاف كل العقود بما فيها التقييدات الاحتياطية!! ومعلوم أن منطقة اولاد حدو ، تحولت قبل سنوات إلى مقصد لكل بارونات البناء العشوائي، وخلال الحملة التي استفاقت لها الدولة ، في بداية الألفية الجديدة ، لم يتم الوصول إلى كل المتورطين في هذه الآفة ، التي استحالت معها بوسكورة واولاد حدو إلى عاصمة العشوائيات تنشط داخلها مصانع كبرى تدر الملايير على أصحابها! وللتذكير ، فإنه خلال اعتقال «التقلية» ، على خلفية التورط في البناء العشوائي بالمنطقة ، كان قد قدم إلى المسؤولين لائحة تضم الأسماء المتورطة في ملف الأبنية العشوائية، سواء ببوسكورة أو بمنطقة اولاد حدو، دون أن تطالهم التحقيقات ! اللجنة المذكورة لم يظهر لنتائجها أثر إلى حدود اليوم ، وربما عند حدوث كارثة ما في هذه المنطقة ستخرج محاضرها الاحتياطية لتبرئة ذمتها! في هذه المنطقة ومنطقة سيدي مسعود، علمنا بأن مسؤولي الدرك رفعوا تقريرا يحذرون فيه المسؤولين من إمكانية انتشار الأوبئة بفعل التعفن وغياب وسائل النظافة والوقاية وغياب الواد الحار... وبالعودة الى موضوع السلامة بمختلف الأحياء الصناعية بما فيها المعترف بها، صرح لنا أحد العارفين بأمور التراخيص وغيرها، بأن المسؤولية دائما يتحملها صاحب المصنع دون أن نلقي باللوم على باقي المصالح المرخصة، وذهب إلى حد تحميل الوقاية المدنية مسؤولية الحادث الأخير، لأنها لا تقوم بالمراقبة بشكل مستمر رغم أنها من المرخصين لإقامة هذا المصنع هناك! بالفعل في مثل هذه الكوارث تختلط المسؤوليات ويتم تعويم الحقائق، وبسهولة يتم البحث عن كبش فداء يتحمل العواقب كلها... وإذا عدنا إلى الأحياء الصناعية المعترف بها من طرف الدولة، سنجد بأن الحي الصناعي مولاي رشيد والحي الصناعي ليساسفة، لا يتوفران على مركز للوقاية المدنية، التي يوجد مقرها الأول بالقرب من مقبرة الشهداء والثاني بأنفا ، وعلى عكس ما صرح به وزير الداخلية بأن الوقاية المدنية وصلت في دقائق معدودة، فإن واقع اكتظاظ السير في الدار البيضاء يفند ذلك، إذ على شاحنة الوقاية إن أرادت الوصول عبر الأوطوروت إلى مكان الحادث، قضاء ما يربو عن ربع ساعة، وهي مدة كافية لكي يموت العشرات ويختنق المئات. المركز الخاص بالوقاية المدنية بالحي الصناعي مولاي رشيد، تم بالفعل تشييده من طرف بعض المنعشين العقاريين بمبلغ 5 ملايين درهم، وكذلك الشأن بالنسبة لمركز ليساسفة وتم تدشينهما من طرف المسؤولين لكنهما ظلا مقفلين الى اليوم! بعض رجال القانون صرحوا لنا بعد هذا الحادث بأن المسؤوليات يجب أن تحدد، ويجب أن يتم التعامل بكل وضوح في مثل هذه الأمور، ومن بين المطالب التي ذهب إليها هؤلاء هو فصل الوقاية المدنية عن الداخلية وإحداث مؤسسة خاصة بها، حتى تتم محاسبتها، ومن أجل تطوير أدائها، وذهب البعض الآخر إلى أنه في مجال تشييد المصانع والمعامل، يجب إحداث مكاتب خاصة ومختصة تضع التصاميم الوقائية التي يجب أن يحترمها أصحاب المعامل وينفذوها، وأن يظل جهاز الوقاية المدنية هو المراقب الدائم لهذه الأمور. .......................... | 2008/3/5 | |||||||||||||
عمال من الدرجة الثالثة يعانون التهميش ، ويخافون تكرار فاجعة «روزامور»... أقبية تتحول إلى معامل في عاصمة الاقتصاد خالد ماهر
«كأنما لفظتهم الأرض، انبعثوا من جوفها على حين غرة، كسروا الجمود والهدوء في حي الأسرة.
يرون أنفسهم عمالا من الدرجة الثالثة، لا يعيرون اهتماما لعيد الشغل، يستحسنون الراحة فيه فقط، ويؤكدون قتامة ظروفهم. خوف العاملات من الزيت والدقيق يدفعهن لتقديم تنازلات ولو على حساب راحتهن. الأقبية تتحول إلى معامل، في غياب شروط السلامة الذي قد يجعل شبح «روزامور» يحلق في سماء حي الأسرة...» كان يجلس وحيدا على عتبة أحد المنازل بشارع الطاح الذي يخترق حي الأسرة، في مقاطعة عين الشق بالدارالبيضاء، ملابسه رثة وملامحه بدوية، شعره كث، وأسنانه بنية اللون. بادرنا «م ب» ونحن نمر قربه بالسؤال عن معامل تبحث عن عامل. فتى لم يبلغ السابعة عشر من عمره ، أفاد بأنه ينحدر من أحد الدواوير بقيادة سيدي عبد الله غير بعيد عن «مشروع بنعبو» بالرحامنة. يريد العمل ولا يهمه المكان الذي يتواجد فيه المعمل. «كنعرف نقطع» يجيب «م ب» عن سؤال حول المؤهلات التي قد تجعل منه عاملا هنا بحي الأسرة، فهو لا يريد الابتعاد عن دوار نبيل حيث يقطن منذ ثلاثة أشهر مع قريب له هناك. طرق العديد من الأبواب ، والحظ يجانبه حتى لحظة لقائنا به عند منتصف نهار يوم الأربعاء، انقطع عن الدراسة في المستوى الثالث الابتدائي، وبخط رديء وكتابة غير سليمة، يخط اسمه وعنوانه على ورقة، قال بأن بعض من التقاهم أشاروا عليه بالتوجه إلى حي الأسرة لطلب العمل. منازل لا تعكس ما يدور في «جوفها».. أكثر من 500 من المعامل الصغيرة تجد لها مكانا في حي الأسرة المتربع على رابية تبدو من قمتها المدينة بأجواء رمادية رغم البياض الذي يطبع اسمها. محلات تجارية تظهر أبوابها صماء، وهدير آلات الخياطة لا يصل آذان ضعاف السمع. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، أزقة الحي تسبح في السكون، يحده غربا وشمالا حي ياسمينة، وجنوبا حي الفتح، أما في شرقه فمن بعيد تبدو أحزمة الفقر المتمثلة في دواوير التقلية، المكانسة، ونبيل. أسيجة وقضبان حديدية مدببة تحيط بخلفيات أغلب المنازل، مساحة عرضها يزيد عن الخمسة عشر مترا تفصل بين خلفيات هذه الدور، ألواح بلاستيكية غير شفافة تمنع رؤية ما يدور وراء هذه الحواجز. يكاد ينعدم ذبيب البشر وحسهم، الأبواب موصدة، والمنازل لا تعكس ما يدور في أقبيتها. توالت الدقائق وحلت الثلاثون منها بعد الثانية عشرة. أعداد كبيرة من العاملات والعمال، بدأت في الخروج من خلفيات بعض المنازل، كأنها انبعثت من تحت الأرض. تغير السكون لحركة هنا، الأبواب تفتح تباعا والحشود عددها في تزايد. بعض العمال راحوا يمشون بخطوات مسرعة يقصدون الدواوير المطلة على حي الأسرة، وعاملات يحملن أكياسا بها وجبات الغداء، كما يبدو. الفاصوليا، الكرعين، والسردين المقلي عاملات يرتدين وزرات وعمال سخروا ملابسهم للعمل، يقصدون محلا لبيع مشتقات الحليب، بجواره مطعم صغير يقدم أطباق الفاصوليا، الكرعين، والسردين المقلي. يخضن في الحديث وهن ينتظرن أطباقهن، يردن فسحة كلام تنسيهن وطأة العمل، قربهن يجلس محمد، ترتسم على وجهه أمارات التعب. آذان صلاة الظهر يخترق الآذان وهو ينبعث من مسجد «الحاج حسن» الذي يتربع وسط حي الأسرة غير بعيد عن دار الاذاعة والتلفزة لعين الشق. يؤكد أن الأجر الذي يقبضه العاملون حسب الأعراف السائدة في حي الأسرة، محدد في 400 درهم عن كل أسبوع عمل. يجيد محمد الخياطة على آلات الخياطة السورجي والبيكوز، والبلاكاج. حسب محمد ، فالحظوظ للحصول على عمل تقف إلى جانب النساء، ليس لشيء غير أنهن يقبلن الأجر المقترح من رب العمل دون تردد، يؤكد أنهن لا يتفاوضن حوله، فمبلغ همهن هو الجلوس على كرسي الآلة، حتى لو كان ذلك في ظروف غير قانونية! أقبية تحولت لمعامل.. معظم المعامل في حي الأسرة هي ليست غير أقبية تحت جل منازل الحي. الأبواب التي يخرج منها العمال ضيقة، وكوات التهوية بالكاد تسمح بدخول الهواء داخل المعمل. محمد يقول إن أنشطة الخياطة تختلف بين خياطة السراويل «الدجين، الفصالة» وبين الأقمصة، والملابس الرياضية... وتقتسم كميات مهمة من اللاواط، الذي يستعمل في حشوالسترات والملابس الرياضية، أرضية المعمل حيث يشتغل محمد، على حد إشارته. ينفي أن يكون مسجلا بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو مؤمنا عليه، مما يجعل خوفه من الزواج يكبر يوما بعد آخر. «واش ناخد بنت الناس نتكرفس عليها؟» سؤال يفيد النفي طرحه محمد وهو يشيح بوجهه، محاولا إخفاء غصة احتلت حلقه، فهو يرى أن أجر 400 درهم أسبوعيا لا يكفيه وحده فكيف إن كان الأمر يهم أسرة؟ «محاربة الخيوط الزائدة» يهرول حسن وهو يقصد «محلبة» مجاورة، ضعيف البنية، قامته قصيرة، وبعض البتور تعلو جبهته، يضحك وهو يستفسر حول الغرض من الأسئلة. يتحفظ قليلا لكنه يلين، ليجيب بأنه ينحدر من عبدة، لم يشأ تحديد الدوار، واكتفى بالإشارة إلى قربه من مدينة آسفي. يقبض 250 درهما كأجر أسبوعي لكنه يرى نفسه أحسن حالا وقد تجاوز مرحلة البدء في المعمل، حين كان «محاربا للخيوط الزائدة». وصف يتهكم به العاملون هنا في هذا الحي على وظيفة «الفينيسيو» التي تفي بإزالة الشوائب وما يلتصق من خيوط بما خيط. أجر هذه الوظيفة هو الأدنى، يحتقره أرباب العمل، لكن له أهمية كبرى في «LA CHAINE»، التي تضم أكثر من 30 عاملا، يستدرك حسن. لا يريد أن يبخس الوظيفة أهميتها، وقد قضى أشهرا وهو يزاولها، لحين تعلمه مداعبة دواسة آلة الخياطة. مساكن في باطن الأرض يقطن حسن في «المكازة» كما أجاب، وهي قبو غير بعيد عن محل عمله. يشير إلى أن أغلب أصحاب منازل حي الأسرة يعمدون إلى كراء أقبيتها، بعد أن تكون قد جُعل منها حجرات ضيقة للكراء. أكثر من خمسة أفراد يعيشون في حجرة لا تتسع لاثنين، ينعدم فيها الهواء، وتستشري فيها الروائح العطنة والرطوبة، كما يوضح حسن. ثمن كراء الحجرة يتراوح بين 700 و800 درهم حسب قربها من المرحاض والباب أم لا. لم نستطع غير أخذ صورة لمدخل أحد الأقبية الذي كان بابه موصدا. «الزيت والدقيق ماكيرحموش» يبتديء العمل في المعامل هنا في الساعة الثامنة صباحا، ينتهي عند الساعة السابعة مساء، وفترة استراحة لتناول الغداء يستفيد منها العاملون تمتد من الثانية عشرة والنصف إلى الثانية زوالا. امتنعت العاملات عن الكلام حول أشياء عدة، كن يتهربن من الإجابة. يخفن شرا قد يطالهن من أرباب عملهن إن هن سمحن بأخذ صورة لهن. أغلبهن يتابع أخبار أشهر معمل في الدارالبيضاء، و يختلفن في الحصيلة النهائية لضحايا «روزامور». يُجمعن على أن ظروف الحياة القاسية تجعلهن يقبلن، ولو على مضض، بالعمل كيفما كان الأجر الذي عادة ما يمليه صاحب العمل. «الزيت والدقيق ماكيرحموش» إحداهن تحيل إلى غلاء الأسعار، الذي يزيد من قتامة وضعية عمال من الدرجة الثالثة. ينفين أن تكون معايير السلامة على أحسن مايرام في أغلب المعامل، يرين حقوقهن مهضومة، ويؤكدن أن بعض أرباب المعامل يشكلون استثناء في حسن التعامل. عضت إحداهن على شفتيها، لا تريد تخيل المعمل الذي تشتغل فيه، كـ «روزامور»، تغمض عينيها محاولة وقف شريط تخيلها، وتبتهل إلى الله لئلا يحدث ذلك. تذكرنا «م ب»، حتما لا يعرف ما ينتظره وراء جدران المعمل، قال إنه يعرف «القطع» فقط، وعلى ما يبدو فالفينيسيو ستكون مهمته الأولى في المعمل الذي سيشتغل به بأجر شهري قد لا يتجاوز 500 درهم. لا يعرف «م ب» يوم عيد الشغل، كل همه الحصول على عمل، ولا يعرف في الحياة حقا غيره كيفما اختلفت الظروف... ودعنا حي الأسرة، بعد حلول الثانية زوالا، كانت فلول العاملين تتفرق وتتبلقن، كل يقصد وجهته، ليعم الهدوء. كانت الأرض قد ابتلعتهم. 2008/3/5 | ||||||||||||||
|
الأربعاء، 16 ديسمبر 2015
احياء صناعية عشوائية../ملف الاتحاد الاشتراكي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق